قالوا : وهو الجسد الذي ألقي على كرسيّه (١) ، وهذا يعضده الخبر الصّحيح ، ويتصوّر العتاب فيه من ترك الاستثناء ، فإنّه أولى ، فإن كان تركه بعد ما أمر به ، فتركه ناسيا.
وقد ذكر المفسّرون أنّ النبيّ ـ صلىاللهعليهوسلم ـ لمّا طلب منه اليهود أن يخبرهم عن قصّة أصحاب الكهف ، فقال : غدا أخبركم بها ، ونسي الاستثناء ؛ أبطأ الوحي عنه أيّاما حتّى نزلت عليه القصّة. وقيل له مع ذلك (٢) : (وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فاعِلٌ ذلِكَ غَداً إِلاَّ أَنْ يَشاءَ اللهُ وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذا نَسِيتَ) [الكهف : ١٨ / ٢٣ ـ ٢٤] ، معناه : إذا نسيت الاستثناء ثم تذكّرت فاستثن بالمشيئة. وفي هذا أنّ الاستثناء بعد مدّة يرفع الحرج ولا يرفع الكفّارة ، ولذا أجازه ابن عبّاس ـ رضي الله عنهما ـ بعد سنة (٣).
فخرج من عموم ما ذكرناه في جميع القصّة أنّ العتاب من الله تعالى لسليمان ـ عليهالسلام ـ إذا صحّ إنّما كان على تركه الأولى من المباحات.
والأظهر في هذا الحديث أنّه ترك مندوبا إليه ، ومن ترك المندوب فلا إثم عليه ، فهو بمثابة ترك المباح في نفي الذّنب كما تقدّم ، والله الموفّق للصّواب.
__________________
(١) وقيل في (الجسد) المذكور أقوال منها : ـ أن الجسد هو آصف بن برخيا الصدّيق كاتب سليمان.
ـ وقيل هو سليمان عليهالسلام نفسه ، وذلك أنه مرض مرضا شديدا حتى صار جسدا ، وقد يوصف به المريض المضنى فيقال : كالجسد الملقى.
(٢) وفي كتب التفسير وأسباب النّزول ـ والعبارة في القرطبي ١٠ / ٣٨٥ ـ : عاتب الله تعالى نبيه عليهالسلام على قوله للكفار حين سألوه عن الرّوح والفتية وذي القرنين : غدا أخبركم بجواب أسئلتكم ولم يستثن في ذلك. فاحتبس الوحي عنه خمسة عشر يوما حتى شقّ ذلك عليه وأرجف الكفار به فنزلت سورة الكهف مفرّجة.
(٣) حكي عن ابن عباس رضياللهعنه أنه إن نسي الاستثناء ثم ذكر ولو بعد سنة لم يحنث إن كان حالفا.
قال القرطبي : وهو قول مجاهد.