وأمّا صنعه لها التمثال على الوجه الذي تقدّم فما عليه في ذلك ذنب ولا عتب ، ولو كان أيضا صنعه محرّما لما صنعه لها أصلا ، فإنّ صنع التّمثال من الكبائر التي أتى فيها الوعيد الكثير في الحديث المشهور (١) في الثلاثة الأصناف الذين تلتقطهم أعناق النار في المحشر.
ومنهم من قال إنّما وقع العتاب عليه من جهة اشتغاله بعرض الخيل عليه حتى غربت الشّمس وفاتته صلاة العشاء ، وهذا أيضا إذا صحّ فليس له في تركها كسب ولا علقة طلب (٢) ، فإنّه ناس ، والنّاسي لا طلب عليه فيما نسيه ، بالإجماع ، قال تعالى مخبرا عن موسى ـ عليهالسلام ـ أنّه قال : (لا تُؤاخِذْنِي بِما نَسِيتُ) [الكهف : ١٨ / ٧٣] ، وجاء عنه ـ عليهالسلام ـ أنه قال (٣) : «إنّما أنا بشر أنسى كما تنسون».
ومنهم من قال : (إنّما كانت وهلته (٤) لما ورد به الخبر (٥) في قوله : لأطيفنّ اللّيلة بمائة امرأة تلد كلّ امرأة غلاما يقاتل في سبيل الله ، فقال له صاحبه : قل إن شاء الله ، فلم يقل ونسي ، فأطاف بهنّ ولم تلد منهن إلا امرأة نصف إنسان)! قال النبيّ ـ عليهالسلام ـ «لو قال إن شاء الله لم يحنث وكان أرجى لحاجته».
__________________
(١) في مسند أحمد ٢ / ٣٣٦ في حديث أبي هريرة رضياللهعنه قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «يخرج عنق من النار يوم القيامة ، له عينان يبصر بهما ، وأذنان يسمع بهما ، ولسان ينطق به ، فيقول : إنّي وكّلت بثلاثة : بكلّ جبّار عنيد ، وبكلّ من ادعى مع الله إلها آخر ، والمصوّرون».
(٢) ليس له علقة طلب : أي ليس عليه شيء من المؤاخذة.
(٣) صحيح مسلم ١ / ٤٠٢.
(٤) الوهل : السّهو ، والغلط ، والنّسيان.
(٥) في حديث أبي هريرة رضياللهعنه قال قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «قال سليمان لأطوفنّ الليلة عن تسعين امرأة كلّها تأتي بفارس يقاتل في سبيل الله. فقال له صاحبه قل إن شاء الله ، فلم يقل إن شاء الله فطاف عليهنّ جميعا فلم تحمل منهنّ إلاّ امرأة واحدة جاءت بشقّ رجل! وايم الذي نفس محمّد بيده لو قال إن شاء الله لجاهدوا في سبيل الله فرسانا أجمعون» صحيح مسلم ١٢٧٦.