وأمّا كون الشّيطان يخلفه على كرسيّه ويحكم بالباطل ، فليس على نبيّ الله ـ عليهالسلام ـ لو صحّ في ذلك دقيق ولا جليل (١) من الإثم ، وهذا بمثاب عيسى ـ عليهالسلام ـ حين عبد من دون الله ، كما جاء في الصّحيح (٢) عنه ـ عليهالسلام ـ قال : فيأتون عيسى ولم يذكر ذنبا ، فيقول : لست هناكم وقد عبدت أنا وأمّي من دون الله ، فامتنع عنها (٣) حياء من الله.
ومع ذلك فالخبر باطل من وجه آخر ، وهو أنّه لو جاز أن يخلف النبيّ شيطان على صورته ويستنبط في شريعته أحكاما فاسدة ، لكان ذلك إخلالا بالنّبوة إذ كان يتخيّل النّاس ذلك في سائر أحكام الأنبياء حتى لا يتميّز حكم النّبي من حكم الشّيطان ، فيشكل الأمر على المكلّفين ولا يتقون أمرا بعد ، وهذا بمثابة تقدير خرق العادة على أيدي الكذّابين في ادّعاء النّبوة ، وهذه الألقية (٤) في هذه القصّة من دسائس البراهمة في إبطال النّبوّات والله أعلم.
وأمّا ما يليق بسليمان ـ عليهالسلام ـ في باب الأولى والمباح في هذه القصّة ، فهو أنّه ما كان يقول لامرأته في طلب الحكومة لأخيها : نعم حتى يتبيّن له الحقّ أو يتبيّن لها ما أضمر ، فيقول لها : نعم ، إذا وجب له الحقّ فيها فإنه لا يحكم بجور ولا يجوز عليه ذلك.
__________________
(١) أي ليس عليه إثم : لا صغير ولا كبير.
(٢) انظر صحيح مسلم ١ / ١٨٥ ، وصحيح البخاريّ ٥ / ١٤٧ و ٢٢٦ ، ومسند الإمام أحمد بن حنبل ٢ / ٤٣٦ ، والعبارة : (وقد عبدت أنا وأمّي من دون الله ..) لم ترد في الكتب الثلاثة.
(٣) أي امتنع عن طلب الشّفاعة.
(٤) الألقية : ما ألقي. والمقصود ما ألقي ـ أي ما دسّ ـ في قصّة سليمان عليهالسلام من أقوال البراهمة ، الذين لا يؤمنون بالنبوّات ، ويبطلونها جملة ، وهذه واحدة من ضلالات الوثنيّة وفي تفسير أبي حيان الغرناطي ، وقد جاء بعد مؤلف هذا الكتاب بزمان ، أنّ فيما نقله بعض المفسرين في قصة الكرسي أقوالا يجب البراءة منها : (وهي ممّا لا يحلّ نقلها ، وهي إمّا من أوضاع اليهود أو الزنادقة). قال : ولم يبيّن الله تعالى الفتنة ما هي ولا الجسد الذي ألقاه على كرسي سليمان ، وذكر كلاما مشابها لما قال المؤلف رحمهالله.