شرعه. والأظهر فيه أنّه لم يحرّم بدليل قوله تعالى : (يَعْمَلُونَ لَهُ ما يَشاءُ مِنْ مَحارِيبَ وَتَماثِيلَ) [سبأ : ٣٤ / ١٣] ، والتّماثيل قد يكون على صور الأناسيّ (١) ، قال امرؤ القيس (٢) :
ويا ربّ يوم قد لهوت وليلة |
|
بآنسة كأنّها خطّ تمثال! |
وأمّا إن عبدت هي صنما من غير أن يشعر به سليمان ـ عليهالسلام ـ فلا بأس عليه في ذلك ، فإنّ الأنبياء ـ عليهمالسلام ـ عنوا بالظّواهر ، وأمر البواطن إلى الله تعالى ، وقد كان المنافقون يصلّون خلف رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ ويعبدون الأصنام في بيوتهم خفية منه جاء في الصّحيح عنه ـ عليهالسلام ـ أنّه قال (٣) : «أمرت أن أقاتل النّاس حتّى يقولوا لا إله إلاّ الله» الحديث ... إلى قوله : «وحسابهم على الله» يعني فيما أبطنوه.
وأمّا قولهم : إنّها طلبت منه أن يحكم لأخيها على خصمه فقال لها : نعم ، فيجوز له أن يقولها وهو يضمر في نفسه : إذا كان الحقّ له لا عليه ، ثم طيّب نفسها ب (نعم) لكون النّساء تطيب أنفسهنّ بمثل هذه المشتبهات (٤) ، لضعف عقولهنّ وجهلهنّ بالحقائق ، ولا يجوز في حقّه سوى هذا ، بدليل أنّه لو أضمر في نفسه أن يحكم له ، والحكم عليه (٥) ، لوقع في كبيرة محرّمة ، وهي أن ينوي أن يحكم بالجور ، وحاشاه من ذلك ، وهو لا يجوز عليه ذلك كما تقدّم.
__________________
(١) الأناسي : جمع الإنسان.
(٢) البيت لامرئ القيس (ديوانه ٢٧) من قصيدة مشهورة أوّلها :
ألا عم صباحا أيها الطلل البالي |
|
وهل يعمن من بات في العصر الخالي |
ـ وفي اللسان : التّمثال : الصورة ، والتّمثال : اسم للشيء المصنوع مشبّها بخلق من خلق الله.
(٣) في صحيح مسلم ١ / ٥١ وطد و ٥٣ ، صحيح البخاري ١ / ١١ ، وروايته ... «حتى يشهدوا أن لا إله إلاّ الله وأن محمّدا رسول الله».
(٤) يعني فهمها هي من (نعم) الموافقة المطلقة (بلا شروط) وقصده : نعم إذا كان الحقّ له ، وهذا يدخل في الملاحن ، والمعاريض ، والكلام الذي يحتمل التّأويلين.
(٥) الواو في (والحكم عليه) هي واو الحال.