الّذي كان يقعد عليه لفصل القضاء بين النّاس ، وهو معنى قوله (وَأَلْقَيْنا عَلى كُرْسِيِّهِ جَسَداً) أي جسدا مثل جسد سليمان ـ عليهالسلام ـ وبقي يخلفه على كرسيّه ويعبث ببني إسرائيل غاية العبث بأحكام فاسدة وأوامر جائرة أربعين يوما ، حتى وجد سليمان ـ عليهالسلام ـ خاتمه في بطن حوت كان قد التقمه حين ألقاه صخر في البحر ، فلمّا فطن الشّيطان بذلك فرّ على وجهه ، فجاء سليمان ـ عليهالسلام ـ فأخبروه بما فعل الشّيطان بعده ، فأمر الجنّ بطلبه فجاءوا به ، فأمر أن يعمل له بيت منقوب في حجر صلد ، وجعله فيه ، وأطبق عليه بحجر آخر ، وألقاه في البحر ، فبقي فيه إلى يوم البعث.
وهذا أسلم ما قالوه في قصّته ـ عليهالسلام ـ وزاد فيها الفجرة أنّ الشّيطان كان يقع على نساء سليمان ـ عليهالسلام ـ. وهنّ حيّض. ولذا تفطّنوا أنّه لم يكن سليمان ، وحاشى وكلاّ من هذه الوصمة الخسيسة أن يفعلها الله تعالى مع أنبيائه ـ عليهمالسلام ـ وكيف ، والأمّة مجمعة على أنّه ما زنت امرأة نبيّ قطّ : كانت مؤمنة أو كافرة. وخيانة امرأة نوح وامرأة لوط ـ عليهماالسلام ـ إنّما كانت في إظهارهما الإيمان وإخفائهما الكفر لا غير. وكلّ ما ذكروه في هذه القصّة تجوّز (١) له على أوجه سنذكرها بعد إن شاء الله تعالى ، سوى هذه القولة الخبيثة.
وأما قصّة التّمثال الّذي صنع لها ، وما قيل إنّه حكم لأخيها (٢) ، فيتصوّر فيها الجواز من وجهين :
أحدهما : أن يكون صنع التّمثال مباحا له كما كان مباحا لعيسى ـ عليهالسلام ـ قال تعالى : (وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي فَتَنْفُخُ فِيها فَتَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِي) [المائدة : ٥ / ١١٠] فصحّ من هذه الآية أنّ عيسى ـ عليهالسلام ـ كان يصوّر التّماثيل بإذن الله. وكذلك سليمان ـ عليهالسلام ـ إذا صحّ أنّها لم يحرّم عليه فعله في
__________________
(١) أي : وقع له التأويل.
(٢) أصل هذه العبارة في المخطوط : (أو ما قال إنه يحكم لأخيها) ، وقرأتها على الوجه المثبت.