وذلك أنّ الإنعام هاهنا إنّما هو في أن وهبه (١) الله تعالى إيمانا لا يفارقه إلى الممات ، إذ لو كان في معلوم الله تعالى أن يسلبه إيّاه عند الوفاة لم يسمّه نعمة ، فإنّ ثمرة الإيمان إنما تجتنى في الآخرة ، وإيمان زائل لا ثمرة له في الآخرة لا يسمّى نعمة بل هو نقمة. كإيمان بلعم بن باعورا (٢) وغيره من المخذولين المبدّلين ، نعوذ بالله من بغتات سخطه.
فخرج من فحوى ذكر هذه النّعمة أنّ زيدا يموت مؤمنا ، فكان ذلك وزيادة أنه مات أميرا شهيدا مقدما بين الصّفّين ، في يوم مؤتة ، كان قد قدّمه رسول الله صلىاللهعليهوسلم على الجيش في حديث يطول ذكره ، ثم قتل شهيدا ، فنزل الوحي على رسول
الله صلىاللهعليهوسلم فصعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال (٣) : «أخذ الرّاية زيد فأصيب» ، إلى قوله : «لقد رفعوا لي في الجنّة على أسرّة من ذهب». الحديث.
فهذه معجزة صحّت له ـ عليهالسلام ـ من باب الإخبار بالغيوب ، فوقعت بمحضر الأشهاد كما أخبر عنها ، كما وقع نقيضها في قصّة أبي لهب (٤) حيث أخبره ربه في قرآن يتلى أنّه من أهل النّار ، ومات كافرا فكان ذلك.
__________________
(١) قول المؤلف رحمهالله تعالى (أن وهبه الله تعالى إيمانا ..) المقصود هنا زيد رضياللهعنه أي : أن وهب والده زيدا إيمانا لا يفارقه ... إلخ.
(٢) بلعام بن باعوراء كان أيام موسى عليهالسلام ، قال القرطبي ٧ / ٣١٩ كان في مجلسه اثنتا عشرة ألف محبرة للمتعلّمين الذين يكتبون عنه. ثم صار بحيث أنه كان أول من صنّف كتابا في أن : ليس للعالم صانع! وقال مالك بن دينار : بعث بلعام بن باعوراء إلى ملك مدين ليدعوه إلى الإيمان فأعطاه الملك وأقطعه فاتّبع دينه وترك دين موسى ، ففيه نزلت هذه الآيات (يعني الآيات ١٧٥ ـ ١٧٧ من سورة الأعراف).
(٣) في مسند الإمام أحمد ٣ / ١١١٣ و ١١٨ ، ولم ترد في العبارة : «لقد رفعوا لي في الجنّة على أسرّة من ذهب».
ـ وانظر الخبر مطوّلا في السّير والمغازي لابن كثير ٣ / ٤٤٥ وما بعدها ، الواقدي ٧٥٥.
(٤) في سورة تبت يدا أبي لهب.
ـ في تفسير القرطبي ٢٠ / ٢٣٧ سئل الحسن البصري عن قوله تعالى : (تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ) هل كان في ـ