أعلم العالمين بحاله ومعتقده ، وإن كان الحكم : القهر بالإرادة القدرة فمعناه : أنت أقهر القاهرين الذي لا رادّ لأمرك ولا معقّب لحكمك.
وفي ضمن هذا كلّه سؤاله ربّه ورغبته [في] أن يطلعه على عاقبة أمر ولده كيف كانت؟ فأطلعه الله على ذلك فقال : (يا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ) [هود : ١١ / ٤٦] يعني في الدّين لا في النّسب (إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صالِحٍ) [هود : ١١ / ٤٦] يعني أن عمله غير صالح ، لكن سمّاه باسم صفته الغالبة عليه. وقد قرئ (١) : (إنّه عمل غير صالح) بفتح اللاّم على معنى الخبر عن عمله ، فأعلمه الله تعالى بحاله ومآله ثمّ أدّبه تعالى ووعظه وعلّمه فقال له : (فَلا تَسْئَلْنِ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ) [هود : ١١ / ٤٦] نهاه ربّه أن يسأله تحصيل علم ما لم يكلّف علمه ، إذ ليس يجب على المكلف أن يسأل علم ما لم يكلّف العلم به.
ومن هذا الوجه تخرج قولة خضر لموسى عليهماالسلام : (فَلا تَسْئَلْنِي عَنْ شَيْءٍ حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْراً) [الكهف : ١٨ / ٧٠] وذلك أنّ موسى عليهالسلام طلب منه علما لم يكلّف طلبه ، إذ لا يجوز لطالب العلم المكلّف بطلبه السكوت عن سؤال علم يلزمه ، ولا يجوز للمعلّم أيضا أن ينهاه عن السّؤال فيما كلّف العلم به.
فخرج من ذلك أنّ نوحا عليهالسلام سأل في أمر ولده عن علم لا يلزمه ، فنهاه الله تعالى أن يسأل عمّا لم يكلّف العلم به. ثم حذّره تعالى أن يفعل ذلك ، على جهة النّزاهة لا على الحظر ، فقال : (إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجاهِلِينَ) [هود : ١١ / ٤٦] يعني الّذين يتعصّبون لعاطفة الرّحم حتّى يسألوا عمّا لم يكلّفوا العلم به.
__________________
(١) في الجامع لأحكام القرآن ٩ / ٤٦ (قرأ ابن عباس وعروة وعكرمة ويعقوب والكسائي : (إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صالِحٍ) أي من الكفر والتكذيب ، قال : واختاره أبو عبيد. وقرأ الباقون «عمل غير صالح» أي ابنك ذو عمل غير صالح ، فحذف المضاف. قاله الزجّاج وغيره. قال القرطبي : وهذا القول والذي قبله يرجع إلى معنى واحد. ويجوز أن تكون الهاء للسؤال ، أي إن سؤالك إياي أن أنجيه غير صالح.
ونقل وجوها أخر نكتفي بما أوردنا منها).