حتّى إذا سئل الشّفاعة في الآخرة امتنع منها واعتذر بأنّه دعا على قومه بالإهلاك (١).
ومعلوم أنّ دعاء المؤمن على الكافر مباح لا ذنب فيه صغيرا ولا كبيرا ، لا سيما بعد ما قيل له : (أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلاَّ مَنْ قَدْ آمَنَ) [هود : ١١ / ٣٦]. فلما قطع بكفرهم دعا عليهم.
وإذا كان الدّعاء على الكفرة على الإطلاق مباحا كان أحرى إذا وقع القطع على كفرهم بالخبر الصّدق.
وقد دعا رسول الله صلىاللهعليهوسلم على مضر (٢). وكذلك موسى عليهالسلام دعا على فرعون وملئه (٣).
على أنّ دعوة نوح عليهالسلام رحمة علّلها هو إذ دعا فقال : (إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبادَكَ) [نوح : ٧١ / ٢٧] يعني يضلّوا من آمن من قومه بكثرة الأذاية ، فربما
__________________
(١) في سورة نوح : (وَقالَ نُوحٌ رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكافِرِينَ دَيَّاراً. إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبادَكَ وَلا يَلِدُوا إِلاَّ فاجِراً كَفَّاراً).
وقيل في التفسير :
ـ دعا عليهم حين يئس من اتباعهم إيّاه.
ـ دعا عليهم بعد أن أوحى الله إليه (إنه لن يؤمن من قومك إلاّ من قد آمن) فأجاب الله دعوته وأغرق أمّته (يعني كفّارهم).
(٢) في صحيح مسلم ٤ / ٢١٥٧ ، أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم دعا على قريش لمّا استعصت عليه بسنين سبع كسني يوسف ، فأصابهم قحط وجهد ، حتى أكلوا العظام ، حتّى أتى رجل (قيل هو أبو سفيان) قال :يا رسول الله ، استغفر لمضر ، فإنّهم قد هلكوا ، فلم يستغفر لهم رسول الله ، ولكن دعا الله لهم فمطروا. (نقلت الحديث بمعناه) وانظر مسند الإمام أحمد ١ / ٣٨٠ ، ٣٤١ ، ٤٤١.
(٣) قال تعالى في سورة يونس ١٠ / ٨٨ : (وَقالَ مُوسى رَبَّنا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلَأَهُ زِينَةً وَأَمْوالاً فِي الْحَياةِ الدُّنْيا رَبَّنا لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِكَ رَبَّنَا اطْمِسْ عَلى أَمْوالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلى قُلُوبِهِمْ فَلا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوُا الْعَذابَ الْأَلِيمَ) ومعنى : اطمس على أموالهم : عاقبهم على كفرهم بإهلاك أموالهم.