رجع منهم إلى مذهبهم ، وقد يكون العباد هنا : المولودين على الفطرة الّذين إذا أدركوا يكفرون بكفر آبائهم (١) كما ورد في الخبر.
(وَلا يَلِدُوا إِلاَّ فاجِراً كَفَّاراً) يعني : من يكفر في ثاني حال ، لصحّة الخبر أنهم لا يؤمنون ، ولما رأى من الصّبيّ الذي طرح على رأسه الصّخرة ، إن صحّ الخبر.
وإذا كان كذلك ، وطال مكثهم يتوالدون فيكثر سواد أهل النّار بطول مكثهم.
وهذا دعاء مباح مع ما فيه من الرّفق بالغير وطلب السّلامة للبعض. وقد عدّه هو ذنبا (٢) ، وذلك لأنّه رأى أنّ سكوته وصبره عليهم كان أولى به ، حتى ينفذ فيهم حكم ربّهم بما شاء.
ويحتمل أن يعدّه ذنبا لكونه لم يؤمر به ، كما عدّ موسى عليهالسلام قتل الكافر ذنبا لكونه لم يؤمر به فيقول : قتلت نفسا لم يأمرني الله بقتلها.
فهذا رحمك الله ، أدلّ دليل على صحّة ما ذكرناه في أنّ الأكابر يصيّرون بعض المباحات ذنوبا من باب الأولى والأحرى ، إذ الدّعاء على الكفرة مباح إجماعا (٣).
__________________
(١) إشارة إلى الحديث المشهور : «كلّ مولود يولد على الفطرة».
ورواية الموطأ ١٦٠ ، من حديث أبي هريرة رضياللهعنه «كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهوّدانه أو ينصّرانه كما تناتج الإبل من بهيمة جمعاء هل تحس فيها من جدعاء؟ قالوا يا رسول الله أرأيت الذي يموت وهو صغير؟ قال : الله أعلم بما كانوا عاملين».
ـ وقوله : «إذا أدركوا» يعني بلغوا مبلغ الرجال ، وصاروا في سنّ التكليف الشرعي.
(٢) يعني قوله عليهالسلام لطالبي الشفاعة ، كما ورد في حديث يوم القيامة.
(٣) علّق في الجامع لأحكام القرآن بعد آية سورة يونس الثامنة والثمانين قال : «استشكل بعض الناس هذه الآية فقال : كيف دعا عليهم وحكم الرسل استدعاء إيمان قومهم؟». فالجواب : أنه لا يجوز أن يدعو نبيّ على قومه إلا بإذن من الله ، وإعلام أنه ليس فيهم من يؤمن ولا يخرج من أصلابهم من يؤمن ، دليل قوله لنوح عليهالسلام : «إنّه لن يؤمن من قومك إلاّ من قد آمن» وعند ذلك قال : (رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكافِرِينَ دَيَّاراً) والله أعلم.