فصل
[تعقيب على قصة نوح عليهالسلام]
ثم إن لله تعالى أن يعتب أنبياءه وأصفياءه ، ويؤدبهم كما تقدّم ، ويطلبهم بالنّقير والقطمير (١) ، من غير أن يلحقهم في ذلك نقص من كمالهم ، ولا غضّ من أقدارهم ، حتى يتمحّصوا للعبوديّة ، والقيام في نطاق الخدمة ، والقعود على بساط القربة.
ألا ترى كيف نهى الله تعالى نبينا صلىاللهعليهوسلم عن النّظر لبعض المباحات فقال : (لا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلى ما مَتَّعْنا بِهِ أَزْواجاً مِنْهُمْ) [الحجر : ١٥ / ٨٨]. ونهاه أن يتبع النظرة الأولى ثانية ، فقال له : (وَلا تَعْدُ عَيْناكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَياةِ الدُّنْيا) [الكهف : ١٨ / ٢٨] مع قوله تعالى في مقام آخر : (قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبادِهِ وَالطَّيِّباتِ مِنَ الرِّزْقِ) [الأعراف : ٧ / ٣٢].
فإذا لم يحرّم أكل الطيّبات والتمتّع بالزّينة إذا كانت من كسب الحلال ، ـ والنّظر في الحسن من التمتّع والزّينة ـ فكيف يحرم النّظر إليها؟ لكن كما قال المشايخ : حسنات الأبرار سيّئات المقرّبين!.
جاء في الصحيح ، أن النبي صلىاللهعليهوسلم قال يوم الفتح (٢) : «ما كان لنبيّ أن يكون له خائنة الأعين».
يعني الإشارة بالعين في الأوامر حتّى يفصح بها.
__________________
(١) يضربان مثلا في القليل والذي لا شأن له :
فالنقير : النكتة (النقرة) في ظهر نواة التّمرة.
والقطمير : القشرة الرقيقة على نواة التمرة كاللّفافة لها.
(٢) في سنن أبي داود ٤ / ١٢٨ ، ونصّه : «إنّه لا ينبغي لنبيّ أن تكون له خائنة الأعين».