باب النكاح الإماء
قال الله تعالى (وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلاً أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَناتِ الْمُؤْمِناتِ فَمِنْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ مِنْ فَتَياتِكُمُ الْمُؤْمِناتِ) قال أبو بكر الذي اقتضته هذه الآية إباحة نكاح الإماء المؤمنات عند عدم الطول إلى الحرائر المؤمنات لأنه لا خلاف أن المراد بالمحصنات هاهنا الحرائر وليس فيها حظر لغيرهن لأن تخصيص هذه الحال بذكر الإباحة فيها لا يدل على حظر ما عداها كقوله تعالى (وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ) لا دلالة فيه على إباحة القتل عند زوال هذه الحال وقوله تعالى (لا تَأْكُلُوا الرِّبَوا أَضْعافاً مُضاعَفَةً) لا يدل على إباحته إذا لم يكن أضعافا مضاعفة وقوله تعالى (وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللهِ إِلهاً آخَرَ لا بُرْهانَ لَهُ بِهِ) ليس بدلالة على أن أحدنا يجوز أن يقوم له برهان على صحة القول بأن مع الله إلها آخر تعالى الله عن ذلك وقد بينا ذلك في أصول الفقه فإذا ليس في قوله تعالى (وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلاً) الآية إلا إباحة نكاح الإماء لمن كانت هذه حاله ولا دلالة فيه على حكم من وجد طولا إلى الحرة لا بحظر ولا إباحة* واختلف السلف في معنى الطول فروى عن ابن عباس وسعيد بن جبير ومجاهد وقتادة والسدى أنهم قالوا هو الغنى وروى عن عطاء وجابر بن زيد وإبراهيم قالوا إذا هوى الأمة فله أن يتزوجها وإن كان موسرا إذا خاف أن يزنى بها فكان معنى الطول عند هؤلاء في هذا الموضع أن لا ينصرف قلبه عنها بنكاح الحرة لميله إليها ومحبته لها فأباحوا له في هذه الحال نكاحها والطول يحتمل الغنى والقدرة ويحتمل الفضل قال الله تعالى (شَدِيدِ الْعِقابِ ذِي الطَّوْلِ) قيل فيه ذو الفضل وقيل ذو القدرة والفضل والغنى يتقاربان في المعنى فاحتمل الطول المذكور في الآية الغنى والقدرة واحتمل الفضل والسعة فإذا كان معناه الغنى واحتمل وجهين أحدهما حصول الغنى له بكون الحرة تحته والثاني غنى المال وقدرته على تزوج حرة وإذا كان معناه الفضل احتمل إرادة الغنى لأن الفضل يوجب ذلك والثاني اتساع قلبه لتزوج الحرة والانصراف عن الأمة وإنه إن لم يتسع قلبه لذلك وخشي الإقدام من نفسه على محظور جاز له أن يتزوجها وإن كان موسرا على ما روى عن عطاء وجابر بن زيد وإبراهيم هذه الوجوه كلها تحتملها الآية وقد اختلف السلف في ذلك فروى عن ابن عباس وجابر وسعيد بن جبير والشعبي ومكحول لا يتزوج الأمة إلا أن لا يجد