قبول المبرأ منه ولذلك قال أصحابنا إن البراءة واقعة ما لم يردها المبرأ منه وقال زفر لا يبرأ الغريم من الدين إلا أن يقبل البراءة وكذلك الصدقة وجعل بمنزلة هبة الأعيان وظاهر الآية يدل على صحة قول أصحابنا لأنه لم يشرط القبول ولأن الدين حق فيصح إسقاطه كالعفو عن دم العمد والعتق ولا يحتاج إلى قبول وقال أصحابنا إذا رد المبرأ منه البراءة من الدين عاد الدين وقال غيرهم لا يعود وجعلوه كالعنق والعفو عن دم العمد والدليل على صحة قولنا أن البراءة من الدين يلحقها الفسخ ألا ترى أنه لو صالحه على ثوب برىء فإن هلك الثوب قبل القبض بطلت البراءة وعاد الدين والعتق والعفو عن الدم لا ينفسخان بحال ويدل أيضا على وقوع البراءة من الدين بلفظ التمليك أن الصدقة من ألفاظ التمليك وقد حكم بصحة البراءة بها وأنه ليس بمنزلة الأعيان إذا ملكها غيره بلفظ الإبراء فلا يملك مثل أن يقول قد أبرأتك من هذا العبد فلا يملكه وإن قبل البراءة وإذا قال قد تصدقت بمالي عليك من الدين أو قد وهبت لك مالي عليك صحت البراءة ويدل على ذلك أن من له على غيره دين وهو غنى فقال قد تصدقت به عليك برىء منه لأن الله تعالى لم يفرق بين الغنى والفقير في ذلك ويدل على أن الأهل يعبر به عن الأولياء والورثة لأن قوله (فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلى أَهْلِهِ) معناه إلى ورثته وقال محمد ابن الحسن فيمن أوصى لأهل فلان أن القياس أن يكون لزوجاته إلا أنى قد تركت القياس وجعلته لكل من كان في عياله قال أبو بكر الأهل اسم يقع على الزوجة وعلى جميع من يشتمل عليه منزله وعلى أتباع الرجل وأشياعه قال الله تعالى (إِنَّا مُنَجُّوكَ وَأَهْلَكَ إِلَّا امْرَأَتَكَ) فكان ذلك على جميع أهل منزله من أولاده وغيرهم وقال (فَنَجَّيْناهُ وَأَهْلَهُ أَجْمَعِينَ) ويقع على من اتبعه في دينه كقوله (وَنُوحاً إِذْ نادى مِنْ قَبْلُ فَاسْتَجَبْنا لَهُ فَنَجَّيْناهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ) فسمى أتباعه في دينه أهله وقال في ابنه (إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صالِحٍ) فاسم الأهل يقع على معان مختلفة وقد يطلق اسم الأهل ويراد به الآل وهو قراباته من قبل الأب كما يقال آل النبي وأهل بيت النبي صلىاللهعليهوسلم وهما سواء.
باب شبه العمد
قال أبو بكر أصل أبى حنيفة في ذلك أن العمد ما كان بسلاح أو ما يجرى مجراه