وقال السدى في قوله (إِلَّا الَّذِينَ يَصِلُونَ إِلى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثاقٌ) إلا الذين يدخلون في قوم بينكم وبينهم أمان فلهم منه مثل مالهم وقال الحسن هؤلاء بنو مدلج كان بينهم وبين قريش عهد وبين رسول الله صلىاللهعليهوسلم وبين قريش عهد فحرم الله تعالى من بنى مدلج ما حرم من قريش قال أبو بكر إذا عقد الإمام عهدا بينه وبين قوم من الكفار فلا محالة يدخل فيه من كان في حيزهم ممن ينسب إليهم بالرحم أو الحلف أو الولاء بعد أن يكون في حيزهم ومن أهل نصرتهم وأما من كان من قوم آخرين فإنه لا يدخل في العهد ما لم يشرط ومن شرط من أهل قبيلة أخرى دخوله في عهد المعاهدين فهو داخل فيهم إذا عقد العهد على ذلك كما دخلت بنو كنانة في عهد قريش وأما قول من قال إن ذلك منسوخ فإنما أراد أن معاهدة المشركين وموادعتهم منسوخة بقوله (فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ) فهو كما قال لأن الله أعز الإسلام وأهله فأمروا أن لا يقبلوا من مشركي العرب إلا الإسلام أو السيف لقوله تعالى (فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِنْ تابُوا وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ) فهذا حكم ثابت في مشركي العرب فنسخ به الهدنة والصلح وإقرارهم على الكفر وأمرنا في أهل الكتاب بقتالهم حتى يسلموا أو يعطوا الجزية بقوله تعالى (قاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ ـ إلى قوله ـ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صاغِرُونَ) فغير جائز للإمام أن يقر أحدا من أهل سائر الأديان على الكفر من غير جزية وأما مشركو العرب فقد كانوا أسلموا في زمن الصحابة ورجع من ارتد منهم إلى الإسلام بعد ما قتل من قتل منهم فهذا وجه صحيح في نسخ معاهدة أهل الكفر على غير جزية والدخول في الذمة على أن تجرى عليهم أحكامنا فكان ذلك حكما ثابتا بعد ما أعز الله الإسلام وأظهر أهله على سائر المشركين فاستغنوا بذلك عن العهد والصلح إلا أنه إن احتيج إلى ذلك في وقت لعجز المسلمين عن مقاومتهم أو خوف منهم على أنفسهم أو ذراريهم جاز لهم مهادنة العدو ومصالحته من غير جزية يؤدونها إليهم لأن حظر المعاهدة والصلح إنما كان بسبب قوتهم على العدو واستعلائهم عليهم وقد كانت الهدنة جائزة مباحة في أول الإسلام وإنما حظرت لحدوث هذا السبب فمتى زال السبب وعاد الأمر إلى الحال التي كان المسلمون عليها من خوفهم العدو على أنفسهم عاد الحكم الذي كان من جواز الهدنة وهذا نظير ما ذكرنا من نسخ