الواقعة عن تراض مستثناة من النهى عن أكل المال إذ كان أكل المال بالباطل قد يكون من جهة التجارة ومن غير جهة التجارة فاستثنى التجارة من الجملة وبين أنها ليست أكل المال بالباطل ومن قرأها بالرفع كان تقديره إلا أن تقع تجارة كقول الشاعر :
فدى لبنى شيبان رحلي وناقتي |
|
إذا كان يوم ذو كواكب أشهب |
يعنى إذا حدث يوم كذلك وإذا كان معناه على هذا كان النهى عن أكل المال بالباطل على إطلاقه لم يستثن منه شيء وكان ذلك استثناء منقطعا بمنزلة لكن إن وقعت تجارة عن تراض فهو مباح* وقد دلت هذه الآية على بطلان قول القائلين بتحريم المكاسب لإباحة الله التجارة الواقعة عن تراض ونحوه قوله تعالى (وَأَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ) وقوله تعالى (فَإِذا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللهِ) وقوله تعالى (وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللهِ وَآخَرُونَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ) فذكر الضرب في الأرض للتجارة وطلب المعاش مع الجهاد في سبيل الله فدل ذلك على أنه مندوب إليه والله تعالى أعلم وبالله التوفيق.
باب خيار المتبايعين
اختلف أهل العلم في خيار المتبايعين فقال أبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد وزفر والحسن بن زياد ومالك بن أنس إذا عقد بيع بكلام فلا خيار لهما وإن لم يتفرقا وروى نحوه عن عمر بن الخطاب وقال الثوري والليث وعبيد الله بن الحسن والشافعى إذا عقدا فهما بالخيار ما لم يتفرقا وقال الأوزاعى هما بالخيار ما لم يتفرقا إلا في بيوع ثلاثة بيع مزايدة الغنائم والشركة في الميراث والشركة في التجارة فإذا صافقه فقد وجب وليسا فيه بالخيار* ووقت الفرقة أن يتوارى كل واحد منهما عن صاحبه وقال الليث التفرق أن يقوم أحدهما وكل من أوجب الخيار يقول إذا خيره في المجلس فاختار فقد وجب البيع وروى خيار المجلس عن ابن عمر* قال أبو بكر قوله تعالى (لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ مِنْكُمْ) يقتضى جواز الأكل بوقوع البيع عن تراض قبل الافتراق إذ كانت التجارة هي الإيجاب والقبول في عقد البيع وليس التفرق والاجتماع من التجارة في شيء ولا يسمى ذلك تجارة في شرع ولا لغة فإذا كان الله قد أباح أكل ما اشترى بعد وقوع التجارة عن تراض فمانع ذلك بإيجاب الخيار خارج عن