على أن كل ما يفعله العبد لغير وجه الله فإنه لا قربة فيه ولا يستحق عليه الثواب لأن ما يفعل على وجه الرياء فإنما يريد به عوضا من الدنيا كالذكر الجميل والثناء الحسن فصار ذلك أصلا في أن كل ما أريد عوض من أعواض الدنيا أنه ليس بقربة كالاستيجار على الحج وعلى الصلاة وسائر القرب أنه متى استحق عليه عوضا يخرج بذلك عن باب القربة وقد علمنا أن هذه الأشياء سبيلها أن لا تفعل إلا على وجه القربة فثبت بذلك أنه لا يجوز أن يستحق عليها الأجرة وأن الإجارة عليها باطلة قوله تعالى (وَما ذا عَلَيْهِمْ لَوْ آمَنُوا بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقَهُمُ اللهُ) يدل على بطلان مذهب أهل الجبر لأنهم لو لم يكونوا مستطيعين للإيمان بالله والإنفاق لما جاز أن يقال ذلك فيهم لأن عذرهم واضح وهو أنهم غير ممكنين مما دعوا إليه ولا قادرين عليه كما لا يقال للأعمى ماذا عليه لو أبصر ولا يقال للمريض ماذا عليه لو كان صحيحا وفي ذلك أوضح دليل على أن الله قطع عذرهم من فعل ما كلفهم من الإيمان وسائر الطاعات وأنهم ممكنون من فعلها* وقوله تعالى (يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَعَصَوُا الرَّسُولَ لَوْ تُسَوَّى بِهِمُ الْأَرْضُ وَلا يَكْتُمُونَ اللهَ حَدِيثاً) فأخبر الله عنهم أنهم لا يكتمون الله هناك شيئا من أحوالهم وما عملوه لعلمهم بأن الله مطلع عليهم عالم بأسرارهم فيقرون بها ولا يكتمونها وقيل يجوز أن يكون المراد أنهم لا يكتمون أسرارهم هناك كما كانوا يكتمونها في الدنيا فإن قيل قد أخبر الله عنهم أنهم يقولون والله ربنا ما كنا مشركين قيل له فيه وجوه أحدها أن الآخرة مواطن فموطن لا تسمع فيه إلا همسا أى صوتا خفيا وموطن يكذبون فيه فيقولون ما كنا نعمل من سوء والله ربنا ما كنا مشركين وموطن يعترفون فيه بالخطإ ويسئلون الله أن يردهم إلى دار الدنيا وروى ذلك عن الحسن وقال ابن عباس أن قوله تعالى (وَلا يَكْتُمُونَ اللهَ حَدِيثاً) داخل في التمني بعد ما نطقت جوارحهم بفضيحتهم وقيل إن معناه أنه لا يعتد بكتمانهم لأنه ظاهر عند الله لا يخفى عليه شيء فكان تقديره أنهم غير قادرين هناك على الكتمان لأن الله يظهره وقيل أنهم لم يقصدوا الكتمان لأنهم إنما أخبروا على ما توهموا ولا يخرجهم ذلك من أن يكونوا قد كتموا والله تعالى أعلم.
باب الجنب يمر في المسجد
قال الله تعالى (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكارى حَتَّى تَعْلَمُوا