مفروض المسح نقل الماء من موضع إلى موضع وذلك لأن المقصد فيه إمساس الماء الموضع لا إجراؤه عليه فإذا وضع إصبعا فقد حصل ذلك الماء ممسوحا به فغير جائز مسح موضع غيره به وليس كذلك الأعضاء المغسولة لأنه لو مسحها بالماء ولم يجره عليها لم يجزه فلا يحصل معنى الغسل إلا بجريان الماء على العضو وانتقاله من موضع إلى موضع فلذلك لم يكن مستعملا بحصوله من موضع وانتقاله إلى غيره من ذلك العضو وأما المسح فلو اقتصر فيه على إمساس الماء الموضع من غير جرى لجاز فلما استغنى عن إجرائه على العضو في صحة أداء الفرض لم يجز نقله إلى غيره فإن قيل فلو صب على رأسه ماء وجرى عليه حتى استوفى منه مقدار ثلاثة أصابع أجزى عن المسح مع انتقاله من موضع إلى غيره فهلا أجزته أيضا إذا مسح بإصبع واحدة ونقله إلى غيره قيل له من قبل أن صب الماء غسل وليس بمسح والغسل يجوز نقل الماء فيه من موضع إلى غيره وأما إذا وضع إصبعه عليه فهذا مسح فلا يجوز أن يمسح بها موضعا غيره وأيضا فإن الماء الذي يجرى عليه بالصب والغسل يتسع للمقدار المفروض كله وما على إصبع واحدة من الماء لا يتسع للمقدار المفروض وإنما يكفى لمقدار الأصبع فإذا جره إلى غيره فإنما نقل إليه ماء مستعملا في غيره فلا يجوز له ذلك.
باب غسل الرجلين
قال الله تعالى (وَامْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ) قال أبو بكر قرأ ابن عباس والحسن وعكرمة وحمزة وابن كثير (وَأَرْجُلَكُمْ) بالخفض وتأولوها على المسح وقرأ على وعبد الله بن مسعود وابن عباس في رواية وإبراهيم والضحاك ونافع وابن عامر والكسائي وحفص عن عاصم بالنصب وكانوا يرون غسلها واجبا والمحفوظ عن الحسن البصري استيعاب الرجل كلها بالمسح ولست أحفظ عن غيره ممن أجاز المسح من السلف هو على الاستيعاب أو على البعض وقال قوم يجوز مسح البعض ولا خلاف بين فقهاء الأمصار في أن المراد الغسل وهاتان القراءتان قد نزل بهما القرآن جميعا ونقلتهما الأمة تلقيا من رسول الله صلىاللهعليهوسلم ولا يختلف أهل اللغة أن كل واحدة من القراءتين محتملة للمسح بعطفها على الرأس ويحتمل أن يراد بها الغسل بعطفها على المغسول من الأعضاء وذلك لأن قوله (وَأَرْجُلَكُمْ) بالنصب يجوز أن يكون مراده فاغسلوا أرجلكم ويحتمل أن يكون