هؤلاء القوم بعد النبي صلىاللهعليهوسلم إلا أبو بكر وعمر رضى الله عنهما وقوله تعالى (لَقَدْ رَضِيَ اللهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ) فيه الدلالة على صحة إيمان الذين بايعوا النبي صلىاللهعليهوسلم بيعة الرضوان بالحديبية وصدق بصائرهم فهم قوم بأعيانهم قال ابن عباس كانوا ألفين وخمس مائة وقال جابر ألفا وخمس مائة فدل على أنهم كانوا مؤمنين على الحقيقة أولياء الله إذ غير جائز أن يخبر الله برضاه عن قوم بأعيانهم إلا وباطنهم كظاهرهم في صحة البصيرة وصدق الإيمان وقد أكد ذلك بقوله (فَعَلِمَ ما فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ) أخبر أنه علم من قلوبهم صحة البصيرة وصدق النية وأن ما أبطنوه مثل ما أظهروه وقوله تعالى (فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ) يعنى الصبر بصدق نياتهم وهذا يدل على أن التوفيق يصحب صدق النية وهو مثل قوله (إِنْ يُرِيدا إِصْلاحاً يُوَفِّقِ اللهُ بَيْنَهُما) وقوله تعالى (وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ) الآية روى عن ابن عباس أنها نزلت في قصة الحديبية وذلك أن المشركين قد كانوا بعثوا أربعين رجلا ليصيبوا من المسلمين فأتى بهم رسول الله صلىاللهعليهوسلم أسرى فخلى سبيلهم وروى أنها نزلت في فتح مكة حين دخلها النبي صلىاللهعليهوسلم عنوة فإن كانت نزلت في فتح مكة فدلالتها ظاهرة على أنها فتحت عنوة لقوله تعالى (مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ) ومصالحتهم لا ظفر فيها للمسلمين فاقتضى ذلك أن يكون فتحها عنوة وقوله تعالى (وَالْهَدْيَ مَعْكُوفاً أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ) يحتج به من يجيز ذبح هدى الإحصار في غير الحرم لإخباره بكونه محبوسا عن بلوغ محله ولو كان قد بلغ الحرم وذبح فيه لما كان محبوسا عن بلوغ المحل وليس هذا كما ظنوا لأنه قد كان ممنوعا بديا عن بلوغ المحل ثم لما وقع الصلح زال المنع فبلغ محله وذبح في الحرم وذلك لأنه إذا حصل المنع في أدنى وقت فجائز أن يقال قد منع كما قال تعالى (قالُوا يا أَبانا مُنِعَ مِنَّا الْكَيْلُ) وإنما منع في وقت وأطلق في وقت آخر وفي الآية دلالة على أن المحل هو الحرم لأنه قال (وَالْهَدْيَ مَعْكُوفاً أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ) فلو كان محله غير الحرم لما كان معكوفا عن بلوغه فوجب أن يكون المحل في قوله (وَلا تَحْلِقُوا رُؤُسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ) هو الحرم.
باب رمى حصون المشركين وفيهم أطفال المسلمين وأسراهم
قال أبو حنيفة وأبو يوسف وزفر ومحمد والثوري لا بأس برمي حصون المشركين
«١٨ ـ أحكام مس»