القراءة وحقيقة معناه إذا أردت القراءة فاستعذ وكقول القائل إذا قلت فاصدق وإذا أحرمت فاغتسل يعنى قبل الإحرام والمعنى في جميع ذلك إذا أردت ذلك* كذلك قوله (فَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ) معناه إذا أردت القراءة وقول من قال الاستعاذة بعد الفراغ من القراءة شاذ وإنما الاستعاذة قبل القراءة لنفى وساوس الشيطان عند القراءة قال الله تعالى (وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِيٍّ إِلَّا إِذا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنْسَخُ اللهُ ما يُلْقِي الشَّيْطانُ) فإنما أمر الله بتقديم الاستعاذة قبل القراءة لهذه العلة والاستعاذة ليست بفرض لأن النبي صلىاللهعليهوسلم لم يعلمها الأعرابى حين علمه الصلاة ولو كانت فرضا لم يخله من تعليمها قوله تعالى (مَنْ كَفَرَ بِاللهِ مِنْ بَعْدِ إِيمانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ) روى معمر عن عبد الكريم عن أبى عبيد بن محمد بن عمار بن ياسر إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان قال أخذ المشركون عمارا وجماعة معه فعذبوهم حتى قاربوهم في بعض ما أرادوا فشكا ذلك إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال كيف كان قلبك قال مطمئن بالإيمان قال فإن عادوا فعد قال أبو بكر هذا أصل في جواز إظهار كلمة الكفر في حال الإكراه والإكراه المبيح لذلك هو أن يخاف على نفسه أو بعض أعضائه التلف إن لم يفعل ما أمره به فأبيح له في هذه الحال أن يظهر كلمة الكفر ويعارض بها غيره إذا خطر ذلك بباله فإن لم يفعل ذلك مع خطوره بباله كان كافرا قال محمد بن الحسن إذا أكرهه الكفار على أن يشتم محمدا صلىاللهعليهوسلم فخطر بباله أن يشتم محمدا آخر غيره فلم يفعل وقد شتم النبي صلىاللهعليهوسلم كان كافرا وكذلك لو قيل له لتسجدن لهذا الصليب فخطر بباله أن يجعل السجود لله فلم يفعل وسجد للصليب كان كافرا فإن أعجلوه عن الروية ولم يخطر بباله شيء وقال ما أكره عليه أو فعل لم يكن كافرا إذا كان قلبه مطمئنا بالإيمان قال أبو بكر وذلك لأنه إذا خطر بباله ما ذكرنا فقد أمكنه أن يفعل الشتيمة لغير النبي صلىاللهعليهوسلم إذا لم يكن مكرها على الضمير وإنما كان مكرها على القول وقد أمكنه صرف الضمير إلى غيره فمتى لم يفعله فقد اختار إظهار الكفر من غير إكراه فلزمه حكم الكفر وقوله صلىاللهعليهوسلم لعمار إن عادوا فعد إنما هو على وجه الإباحة لا على وجهة الإيجاب ولا على الندب وقال أصحابنا الأفضل أن لا يعطى التقية ولا يظهر الكفر حتى يقتل وإن كان غير ذلك مباحا له وذلك لأن خبيب بن عدى لما أراد أهل مكة أن يقتلوه لم يعطهم التقية حتى قتل فكان عند النبي صلىاللهعليهوسلم وعند المسلمين أفضل من عمار في