يريد الزوج ولو أراد طلاقها فقالت قد اخترت نفسي فإن أرادت طلاقا فهو طلاق وإن لم ترده فليس بطلاق* قال أبو بكر التخيير في نفسه ليس بطلاق لا صريح ولا كناية ولذلك قال أصحابنا إنه لا يكون ثلاثا وإن أرادهن ويدل عليه أن النبي صلىاللهعليهوسلم خير نساءه فاخترنه فلم يكن ذلك طلاقا ولأن الخيار لا يختص بالطلاق دون غيره فلا دلالة فيه عليه وليس هو عندكم كقوله اعتدى أن يكون طلاقا إذا نوى لأن العدة من موجب الطلاق فالطلاق مدلول عليه باللفظ وإنما جعلوا الخيار طلاقا إذا اختارت نفسها بالاتفاق وبأنه معلوم أن تخيير النبي صلىاللهعليهوسلم نساءه لما كان بين الفراق والبقاء على النكاح إنهن لو اخترن أنفسهن لوقعت الفرقة لو لا ذلك لم يكن للتخيير معنى وتشبيها له أيضا بسائر الخيارات التي تحدث في النكاح كخيار امرأة العنين والمجبوب فيقع به الطلاق إذا اختارت الفرقة ومن أجل ذلك لم يجعلوه ثلاثا لأن الخيارات الحادثة في الأصول لا تقع بها ثلاث.
(فصل) قال أبو بكر ومن الناس من يحتج بهذه الآية في إيجاب الخيار وفي التفريق لامرأة العاجز عن النفقة لأن النبي صلىاللهعليهوسلم لما خير بين الدنيا والآخرة فاختار الفقر والآخرة أمر الله بتخير نسائه فقال تعالى (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْواجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَياةَ الدُّنْيا وَزِينَتَها) الآية قال أبو بكر لا دلالة فيها على ما ذكروا وذلك لأن الله علق اختيار النبي صلىاللهعليهوسلم لفراقهن بإرادتهن الحياة الدنيا وزينتها ومعلوم أن من أراد من نسائنا الحياة الدنيا وزينتها لم يوجب ذلك تفريقا بينها وبين زوجها فلما كان السبب الذي من أجله أوجب الله التخيير المذكور في الآية غير موجب للتخيير في نساء غيره فلا دلالة فيه على التفريق بين امرأة العاجز عن النفقة وبينه وأيضا فإن اختيار النبي صلىاللهعليهوسلم للآخرة دون الدنيا وإيثاره للفقر دون الغنى لم يوجب أن يكون عاجزا عن نفقة نسائه لأن الفقير قد يقدر على نفقة نسائه مع كونه فقيرا ولم يدع أحد من الناس ولا روى أن النبي صلىاللهعليهوسلم كان عاجزا عن نفقة نسائه بل كان يدخر لنسائه قوت سنة فالمستدل بهذه الآية على ما ذكر مغفل لحكمها قوله تعالى (يا نِساءَ النَّبِيِّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضاعَفْ لَهَا الْعَذابُ ضِعْفَيْنِ) قيل في تضعيف عذابهن وجهان أحدهما أنه لما كانت نعم الله عليهن أكثر منها على غيرهن بكونهن أزواجا للنبي صلىاللهعليهوسلم ونزول الوحى في بيوتهن وتشريفهن بذلك كان