وفي الأخرى بلوغ الأشد وبلوغ أربعين سنة وجائز أن يكون المراد ببلوغ الأشد قبل أربعين سنة وقبل الاستواء وإذا كان كذلك فالأشد ليس له مقدار معلوم في العادة لا يزيد عليه ولا ينقص منه وقد يختلف أحوال الناس فيه فيبلغ بعضهم الأشد في مدة لا يبلغه غيره في مثلها لأنه إن كان بلوغ الأشد هو اجتماع الرأى واللب بعد الحلم فذلك مختلف في العادة وإن كان بلوغه اجتماع القوى وكمال الجسم فهو مختلف أيضا وكل ما كان حكمه مبنيا على العادات فغير ممكن القطع به على وقت لا يتجاوزه ولا يقصر عنه إلا بتوقيف أو إجماع فلما قال في آية (وَلا تَقْرَبُوا مالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ) اقتضى ذلك دفع المال إليه عند بلوغ الأشد من غير شرط إيناس الرشد ولما قال في آية أخرى (حَتَّى إِذا بَلَغُوا النِّكاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوالَهُمْ) شرط فيها بعد بلوغ النكاح إيناس الرشد ولم يشرط ذلك في بلوغ حد الكبر في قوله (وَلا تَأْكُلُوها إِسْرافاً وَبِداراً أَنْ يَكْبَرُوا) فقال أبو حنيفة لا يدفع إليه ماله بعد البلوغ حتى يؤنس منه رشدا ويكبر ويبلغ الأشد وهو خمس وعشرون سنة ثم يدفع إليه ماله بعد أن يكون عاقلا فجائز أن تكون هذه مدة بلوغ الأشد عنده قوله تعالى (وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ) يعنى والله أعلم إيجاب الوفاء بما عاهد الله على نفسه من النذور والدخول في القرب فألزمه الله تعالى إتمامها وهو كقوله تعالى (وَمِنْهُمْ مَنْ عاهَدَ اللهَ لَئِنْ آتانا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ فَلَمَّا آتاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ فَأَعْقَبَهُمْ نِفاقاً فِي قُلُوبِهِمْ) وقيل أوفوا بالعهد في حفظ مال اليتيم مع قيام الحجة عليكم بوجوب حفظه وكل ما قامت به الحجة من أوامره وزواجره فهو عهد وقوله تعالى (إِنَّ الْعَهْدَ كانَ مَسْؤُلاً) معناه مسؤلا عنه للجزاء فحذف اكتفاء بدلالة الحال وعلم المخاطب بالمراد وقيل إن العهد يسئل فيقال لم نقضت كما تسئل الموؤدة بأى ذنب قتلت وذلك يرجع إلى معنى الأول لأنه توقيف وتقرير لناقض العهد كما أن سؤال الموؤدة توقيف وتقرير لقائلها بأنه قتلها بغير ذنب قوله تعالى (وَأَوْفُوا الْكَيْلَ إِذا كِلْتُمْ وَزِنُوا بِالْقِسْطاسِ الْمُسْتَقِيمِ) فيه دلالة على أن من اشترى شيئا من المكيلات مكايلة أو من الموزونات موازنة واجب عليه أن لا يأخذ المشترى كيلا إلا بكيل ولا المشترى وزنا إلا بوزن وإنه غير جائز له أن يأخذه مجازفة وفي ذلك دليل على أن الاعتبار في التحريم التفاضل هو بالكيل والوزن إذ