وفي الآية التالية يخاطب القرآن نبيّه ويدعوه إلى الصبر أمام هذه التّهم والمثبّطات وأن يستقيم فيقول : (وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ) (١).
فإذا ما اتّهموك بأنّك شاعر أو كاهن أو مجنون فاصبر ، وإذا زعموا بأنّ القرآن مفترى فاصبر ، وإذا أصرّوا على عنادهم وواصلوا رفضهم لدعوتك برغم كلّ هذه البراهين المنطقيّة فاصبر ، ولا تضعف همّتك ويفتر عزمك : (فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنا)!.
نحن نرى كلّ شيء ونعلم بكلّ شيء ولن ندعك وحدك.
وجملة (فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنا) تعبير لطيف جدّا حاك عن علم الله وكذلك كون النّبي مشمولا بحماية الله الكاملة ولطفه!
أجل ، إنّ الإنسان حين يحسّ بأنّ قادرا كبيرا ينظره ويرى جميع سعيه وعمله ويحميه من أعدائه فإنّ إدراك هذا الموضوع يمنحه الطاقة والقوّة أكثر كما يحسّ بالمسؤولية بصورة أوسع.
وحيث أنّ الحاجة لله وعبادته وتسبيحه وتقديسه وتنزيهه والالتجاء إلى ذاته المقدّسة كلّ هذه الأمور تمنح الإنسان الدّعة والاطمئنان والقوّة ، فإنّ القرآن يعقّب على الأمر بالصبر بالقول : (وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ).
سبّحه حين تقوم سحرا للعبادة وصلاة الليل.
... وحين تنهض من نومك لأداء الصلاة الواجبة.
... وحين تقوم من أي مجلس ومحفل ، فسبّحه واحمده.
وللمفسّرين أقوال مختلفة في تفسير هذه الآية ، إلّا أنّ الجمع بين هذه الأقوال ممكن أيضا ، سواء كان الحمد التسبيح سحرا ، أو عند صلاة الفريضة ، أو عند القيام من أي مجلس كان.
__________________
(١) قد يكون المراد من «حكم ربّك» هو تبليغ حكم الله الذي امر النّبي به ، فعليه أن يصير عند إبلاغه ، أو أنّه عذاب الله الذي وعد أعداؤه به أي : اصبر يا رسول الله حتّى يعذّبهم الله ، أو المراد منه أوامر أي بما إنّ الله أمرك فاصبر لحكمه ، والجمع بين هذه المعاني وإن كان ممكنا إلّا أنّ التّفسير الأوّل يبدو أقرب خاصّة بملاحظة فإنّك بأعيننا.