ان اية امة رسالية لا تستطيع الاستمرار والتصاعد إذا لم تجعل كتابها المقدس فوق رغباتها ومصالحها ، والأمة الاسلامية لا تخرج بالطبع عن هذه القاعدة.
ولكن يبقى سؤال : العلة وراء رفض الاحتكام الى الكتاب؟
تجيب الآية التالية :
[٢٤] (ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّاماً مَعْدُوداتٍ)
فالفكرة العنصرية هي التي فرّغت واقع الامة من الروح الرسالية ، وأبقت الطقوس مجردة من محتوياتها الاجتماعية الاصلاحية. إذ الامة لا ترى في البدء تفضيلا لها على سائر الأمم الا بقدر توفر قيم الحضارة فيها من التعاون على البر والتقوى والنشاط والتنظيم ولذلك تتسابق على بلوغ المزيد من هذه القيم. ولكنها قد تصل الى درجة من التشبع الحضاري فتتحول نظرتها الى ذاتها ، وتحسب انّها مفضّلة على غيرها لما فيها من روح الهية ، وما في غيرها من طينة العبودية ، وآنئذ لا تجد في ذاتها باعثا الى عمل الخير ، أو رادعا عن فعل الشر. فما داموا قد خلقوا لرضوان الله والجنة ، خيرا عملوا أم سوء ، وما دام أعداؤهم قد خلقوا السخط الله والنار ، مهما عملوا من خير أو شر فلما ذا يجهدون أنفسهم بعمل الخير أو التسابق الى المكرمات.
ان خطورة القضية تكمن في تسرب هذه الفكرة العنصرية الى مفاهيم الدين نفسه ، فاذا بهم يفسّرون الدين بطريقة لا تدعو الى العمل الصالح. والايمان الصادق ، بقدر ما تدعوا الى تمجيد ذوات وتقديس أسماء ، وانتماءات كاذبة.
من هنا قال الله سبحانه :
(وَغَرَّهُمْ فِي دِينِهِمْ)
اي تفسير مفاهيم دينهم.