ان البشر يمنّي نفسه بأشياء كثيرة ، هي بالخيال أشبه منها بالواقع ، يمنّي نفسه بالثروة بلا تعب ، وبالسلطة بلا كفاءة ، وبالشهرة بلا استحقاق ، ويحتاج البشر الى ان يتذوق مرارة الحياة عشرات المرات ، حتى يقتنع ان تلك الامنيات كانت أحلاما صبيانية ، وكذلك يمني بعض المؤمنين أنفسهم بالجنة بلا عمل صالح ولا تضحية ، ويحذرهم القرآن من هذه الأمنية الباطلة ، لان لها نتائج خطيرة ، ففي الدنيا تقعدنا عن العمل ، وفي الآخرة تجعلنا نواجه النار ، ولا ينفعنا الندم ، ولا يمكننا العودة الى الحياة للتوبة.
[١٤٣] والمؤمن الحقيقي هو الذي يشري حياته في الدنيا بالآخرة ، ويقدم كل ما عنده لله ، في مقابل الجنة ، ولذلك فأمنية المؤمن تخالف امنية الرجل العادي ، فهو يريد مزيدا من التعب ، مزيدا من الجهاد ، وبالتالي الموت في الله حتى يحصل على الآخرة.
(وَلَقَدْ كُنْتُمْ تَمَنَّوْنَ الْمَوْتَ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَلْقَوْهُ فَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ)
فكان الاجدر بكم ان تفوا بعهدكم ، وتقتحموا غمار الموت باطمئنان نفسي ، لأنها امنيتكم التي وصلتم إليها.
[١٤٤] ثم إنّ ارتباط المؤمن برسالة الله أشدّ من ارتباطه بالرسول ، ولذلك فان موت الرسول لا يؤثر فيه سلبيا ، لأنه كان هناك رسل ماتوا وبقيت من بعدهم الرسالة ، إذا فالرسالة هي الهدف لا الأشخاص ، وعلينا ان نضحّي بأنفسنا من أجل ان تبقى الرسالة ولا نفكر بان موتنا ، يؤثر على الرسالة ، بل ـ بالعكس ـ إنّ استشهادنا من أجل الرسالة سيدعم موقفها في المجتمع.
(وَما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللهَ شَيْئاً)