تأخيره عن أفعل لأنه بمنزلة الفاعل فمحله التأخير ، وقد يتقدم عليه بقلة. وقد استشهد المصنف على ذلك بأبيات منها قوله :
١٣٩ ـ فقالت لنا أهلا وسهلا وزوّدت |
|
جنى النحل بل ما زودت منه أطيب |
أى أطيب منه. قلت وليس فى هذا البيت دليل لاحتمال أن يكون منه متعلقا بزودت وبتلو متعلق بمستفهم ولهما متعلق بمقدما والضمير فى لهما عائد على من ومجرورها أما من فقد لفظ بها قبل وأما مجرورها فمفهوم من قوله مستفهما والباء للاستعانة أو السببية وتلو الشىء الذى يتلوه. ثم اعلم أن أفعل التفضيل يرفع المضمر فى لغات العرب كقولك زيد أفضل من عمرو ففى أفعل ضمير يعود على زيد ، وأما رفعه الظاهر ففيه لغتان أشار إلى الأولى منهما بقوله : (ورفعه الظاهر نزر) يعنى أن أفعل المذكور يرفع الظاهر وهى لغة حكاها سيبويه فتقول مررت برجل أفضل من أبوه ورفعه مبتدأ وهو مصدر مضاف إلى الفاعل والظاهر مفعول به وخبره نزر. ثم أشار إلى اللغة الثانية بقوله :
(ومتى* عاقب فعلا فكثيرا ثبتا)
هذه اللغة لجميع العرب وهى أن أفعل يرفع الظاهر لكن ذلك مشروط بأن يكون معاقبا للفعل وذلك إذا ولى نفيا وكان فاعله أجنبيا مفضلا على نفسه باعتبار محلين كقولهم ما رأيت رجلا أحسن فى عينه الكحل منه فى عين زيد والتقدير ما رأيت رجلا يحسن فى عينه الكحل كحسنه فى عين زيد وهذا هو المراد بقوله عاقب فعلا ، ثم مثل ذلك بقوله :
كلن ترى فى النّاس من رفيق |
|
أولى به الفضل من الصّدّيق |
والأصل أولى به الفضل منه بالصديق ثم اختصر ، والمراد بالصديق أبو بكر الصديق رضى الله تعالى عنه فالشروط قد توفرت وهو تقدم النفى وهو لن والفاعل أجنبى من الموصوف وهو مفضل على نفسه باعتبار محلين.
__________________
(١٣٩) البيت من الطويل ، وهو للفرزدق فى خزانة الأدب ٨ / ٢٦٩ ، والدرر ٥ / ٢٩٦ ، وشرح المفصل ٢ / ٦٠ ، والمقاصد النحوية ٤ / ٤٣ ، وبلا نسبة فى الأشباه والنظائر ٨ / ٢٩٤ ، ٢٩٥ ، وتذكرة النحاة ص ٤٧ ، وشرح الأشمونى ٢ / ٣٨٩ ، وشرح ابن عقيل ص ٤٦٨ ، وشرح عمدة الحافظ ص ٧٦٦ ، وهمع الهوامع ٢ / ١٠٤.
والشاهد فيه قوله : «منه أطيب» حيث قدم «من» التى فى الخبر على أفعل التفضيل للضرورة الشعرية.