ذكر أهل الصفة رضياللهعنهم
روى البخاري في «الصحيح» (١) أن أصحاب الصفة كانوا فقراء.
وروى أيضا من حديث أبي هريرة رضياللهعنه قال : لقد رأيت سبعين من أهل الصفة ما منهم رجل عليه رداء ، إما إزار وإما كساء ، قد ربطوه في أعناقهم ، فمنها ما يبلغ نصف الساقين ، ومنها ما يبلغ الكعبين فيجمعه بيده كراهية أن ترى عورته (٢).
وروى أيضا من حديث أبي هريرة رضياللهعنه أنه كان يقول : «والله الذي لا إله إلا هو إن كنت لأعتمد بكبدي على الأرض من الجوع ، وإن كنت لأشدّ الحجر على بطني من الجوع ، ولقد قعدت يوما على طريقهم الذي يخرجون منه ، فمر أبو بكر فسألته عن آية من كتاب الله ما سألته إلا ليشبعني ، فمر ولم يفعل ، ثمّ مرّ بي عمر فسألته عن آية من كتاب الله ما سألته إلا ليشبعني ، فمرّ ولم يفعل ، ثمّ مر بي أبو القاسم صلىاللهعليهوسلم فتبسم حين رآني وعرف ما في نفسي وما في وجهي ، ثم قال : يا أبا هر! قلت : لبيك يا رسول الله! قال : الحق ، ومضى ، فاتبعته فدخل فاستأذن ، فأذن لي ، فدخلت فوجدت لبنا في قدح ، فقال : من أين هذا اللبن؟ قالوا : أهداه لك فلان أو فلانة ، قال : يا أبا هر! قلت : لبيك رسول الله ، قال : الحق إلى أهل الصّفّة فادعهم إليّ ، وأهل الصفة أضياف الإسلام لا يأوون على أهل ولا مال ولا على أحد ، إذا أتته صدقة بعث بها إليهم ولا يتناول منها شيئا ، وإذا أتته هدية أرسل إليهم وأصاب منها وأشركهم فيها ، فساءني ذلك فقلت : وما هذا اللبن في أهل الصفة؟ كنت أرجو أن أصيب من اللبن شربة أتقوى بها ، فإذا جاؤوا أمرني ، فكنت أنا أعطيهم ، وما عسى أن يبلغني من هذا اللبن ، ولم يكن من طاعة الله وطاعة رسوله بدّ ، فأتيتهم فدعوتهم ، فأقبلوا ، فاستأذنوا فأذن لهم ، وأخذوا مجالسهم من البيت.
قال : يا أبا هر! قلت : لبيك يا رسول الله ، قال : خذ فأعطهم ، فأخذت القدح فجعلت أعطيه الرجل ، فيشرب حتى يروى ، حتى انتهيت إلى النبي صلىاللهعليهوسلم وقد روي القوم كلّهم ، وأخذ القدح فوضعه على يده ، فنظر إلي فتبسم وقال : يا أبا
__________________
(١) أخرجه البخاري في الصلاة ، باب «نوم الرجال في المسجد» (٤٤١).
(٢) الباب السابق برقم (٤٤٢).