الباب الثّاني عشر
في ذكر مسجد النبي صلىاللهعليهوسلم وفضله
قدم النبي صلىاللهعليهوسلم المدينة حين اشتد الضحى من يوم الاثنين لاثنتي عشرة ليلة مضت من ربيع الأول ، فنزل في علو المدينة في بني عمرو بن عوف على كلثوم بن الهدم ، فمكث عندهم الاثنين والثلاثاء والأربعاء والخميس ، فأخذ مربد كلثوم فعمله مسجدا وأسسه ، وصلّى فيه إلى بيت المقدس.
وخرج من عندهم يوم الجمعة عند ارتفاع النهار ، فركب ناقته القصواء وحشد المسلمون ولبسوا السلاح عن يمينه وشماله ، وخلفه منهم الماشي والراكب ، واعترضه الأنصار فما يمر بدار من دورهم إلا قالوا : هلم يا رسول الله إلى القوة والمنعة والثروة ، فيقول لهم خيرا ويدعو لهم ، ويقول عن ناقته : إنها مأمورة خلوا سبيلها ، فمر ببني سالم فأتى مسجدهم الذي في الوادي ـ وادي رانوناء ـ وأدركته صلاة الجمعة فصلى بهم هنالك ، وكانوا مائة رجل ، فكانت أول جمعة صلاها بالمدينة.
ثم ركب راحلته وأرخى لها زمامها ، وسار حتى انتهت به إلى زقاق الحبشي ببني النجار ، فبركت على باب دار أبي أيوب الأنصاري ، فنزل النبي صلىاللهعليهوسلم ، ينزل عليه القرآن ويأتيه جبريل حتى ابتنى مسجده ومساكنه.
وكان النبي صلىاللهعليهوسلم قد نزل سفل بيت أبي أيوب ، وذكر أبو أيوب أنه فوق النبي صلىاللهعليهوسلم فلم يزل ساهرا حتى أصبح ، فأتاه فقال : يا رسول الله إني أخشى أن أكون ظلمت نفسي أن أبيت فوق رأسك ، فقال عليه الصلاة والسلام : السّفل أرفق بنا وبمن يغشانا.
فلم يزل أبو أيوب رضياللهعنه يتضرع إليه حتى انتقل إلى العلو ، وأقام رسول الله صلىاللهعليهوسلم في بيت أبي أيوب سبعة أشهر. وكان بنو مالك بن النجار يحملون كل يوم قصاع الثريد إلى النبي صلىاللهعليهوسلم يتناوبون ذلك بينهم إلا سعد بن عبادة ، فإنه ما كان يقطع جفنته في كل ليلة إلى دار أبي أيوب ، فيدعو النبي صلىاللهعليهوسلم أصحابه فيأكلون.