الباب الثّاني
في ذكر فتح المدينة
قالت عائشة رضياللهعنها : كل البلاد افتتحت بالسيف وافتتحت المدينة بالقرآن.
قالت : وذلك أن النبي صلىاللهعليهوسلم كان يعرض نفسه في كل موسم على قبائل العرب ويقول : «ألا رجل يحملني إلى قومه؟ فإنّ قريشا قد منعوني أن أبلّغ كلام ربّي» ، فيأبونه ويقولون : قوم الرجل أعلم به.
حتى لقي في بعض السنين عند العقبة نفرا من الأوس والخزرج قدموا في المنافرة التي كانت بينهم.
فقال لهم : «من أنتم؟» قالوا : نفر من الأوس والخزرج! قال : «من موالي اليهود؟» قالوا : نعم ، قال : «أفلا تجلسون أكلمكم؟» ، قالوا : بلى ، فجلسوا معه فدعاهم إلى الله عزوجل وعرض عليهم الإسلام وتلا عليهم القرآن (١). وكانوا أهل شرك وأوثان ، وكان إذا كان بينهم وبين اليهود الذين معهم بالمدينة شيء ، قالت اليهود لهم ـ وكانوا أصحاب كتاب ـ : إن نبيا يبعث الآن قد أظل زمانه ، فنتبعه ونقتلكم معه قتل عاد وإرم.
فلما كلم رسول الله صلىاللهعليهوسلم أولئك النفر ودعاهم إلى الله قال بعضهم لبعض : يا قوم تعلمون والله أنه للنبيّ الذي توعّدكم به اليهود ، فلا تسبقنكم إليه فاغتنموه وآمنوا به ، فأجابوه فيما دعاهم إليه وصدقوه وقبلوا منه ما عرض عليهم من الإسلام.
وقالوا : إنّا قد تركنا قومنا وبينهم من العداوة والشرّ ما بينهم ، وعسى أن يجمعهم الله بك ، فسنقدم عليهم فندعوهم إلى أمرك ونعرض
__________________
(١) «السيرة النبوية» لابن هشام ١ / ٤٢٨ ، «دلائل النبوة» لأبي نعيم ١ / ٢٩٨.