الباب الرّابع عشر
في ذكر مسجد الضّرار وهدمه
هذا المسجد بناه المنافقون مضاهاة لمسجد قباء ، فكانوا يجتمعون فيه ويعيبون النبي صلىاللهعليهوسلم ويستهزئون به ، وكان الذين بنوه إثني عشر رجلا : حرام بن خالد ومن داره أخرجه ، وثعلبة بن حاطب ، ومعتّب بن قشير ، وأبو حبيبة بن الأزعر ، وعباد بن حنيف ، وحارثة بن عامر وابناه مجمع وزيد ، ونبتل بن الحارث ، ومحدج وبجاد بن عثمان ، ووديعة بن ثابت.
فلما بنوه أتوا النبي صلىاللهعليهوسلم وهو يتجهز إلى تبوك ، فقالوا : يا رسول الله ، إنا قد بنينا مسجدا لذي العلة والحاجة ، والليلة المطيرة والليلة الشاتية ، وإنا نحب أن تأتينا فتصلي لنا فيه.
فقال صلىاللهعليهوسلم : إني على جناح سفر وحال شغل ، ولو قد قدمنا إن شاء الله ، لأتيناكم فصلينا لكم فيه.
فلما نزل رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «بذي أوان» ، وهو بلد بينه وبين المدينة ساعة من نهار ومرجعه من تبوك ، أتاه خبر المسجد ، فدعا رسول الله عليه الصلاة والسلام مالك بن الدخشم ، ومعن بن عدي ، أو أخاه عاصما ؛ فقال صلىاللهعليهوسلم : «انطلقا إلى هذا المسجد الظالم أهله فاهدماه وحرقاه» ، فخرجا سريعين حتى أتيا بني سالم بن عوف ، فأخذا سعفا من النخل وأشعلا فيه نارا ، ثم خرجا يشتدان حتى دخلا المسجد وفيه أهله ، فحرقاه وهدماه ، وتفرق أهله عنه ، ونزل فيه من القرآن ما نزل (وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِداً ضِراراً وَكُفْراً) [التوبة : ١٠٧] ، إلى آخر القصة (١).
__________________
(١) «وفاء الوفا» ٢ / ٨١٦ ، «الدر المنثور» للسيوطي ٣ / ٤٩٥.