فلما وصلوا إلى مكة شرفها الله تعالى ، كان بها حميضة ، فقصدوه وكبسوا أصحابه وهم على غرّة ، فقتلوا وسبوا ونهبوا ، وفرّ هو فى نفر يسير من أصحابه إلى العراق ، والتحق بخربندا ملك التتار ، واستنصر به ، فمات خربندا قبل إعانته. انتهى.
وفى هذا ما يوهم أن رميثة والعسكر الذى كان معه ، واقعوا حميضة بمكة ، وليس كذلك ؛ لأنهم لم يواقعوه إلا بالخلف والخليف ، لهروبه منهم إليه مستجيرا بصاحبه ، كما ذكر البرزالى فى تاريخه ، وقد تقدم ذلك فى ترجمة حميضة.
وذكر صاحب نهاية الأرب ما يقتضى أن ولاية رميثة بمكة ، زالت بعد انقضاء الحج من سنة سبع عشرة ، أو فى أول سنة ثمان عشرة ؛ لأنه قال فى أخبار سنة ثمان عشرة وسبعمائة : وفى صفر من هذه السنة ، وردت الأخبار من مكة ـ شرفها الله تعالى ـ أن الأمير عز الدين حميضة بن أبى نمى ، بعد عود الحاج من مكة ، وثب على أخيه الأمير أسد الدين رميثة ، بموافقة العبيد وأخرجه من مكة ، فتوجه رميثة إلى نخلة (١) ، وهى التى كان حميضة بها ، واستولى حميضة على مكة ـ شرفها الله تعالى ـ وقيل إنه قطع الخطبة السلطانية ، وخطب لملك العراقين ، وهو أبو سعيد بن خربند ابن أرغون بن أبغا بن هولاكو.
وذكر تجريد صاحب مصر فى سنة ثمان عشرة ، للعسكر الذى تقدم ذكره فى ترجمة حميضة لإحضاره ، وذكر أيضا ما يقضى أن رميثة كان أميرا على مكة فى سنة ثمان عشرة ، وهذه ولايته الرابعة التى استقل فيها ، لأنه قال فى أخبار سنة تسع عشرة :
وفى يوم الخميس السابع من المحرم ، وصل الأمير شمس الدين آق سنقر الناصرى ، أحد الأمراء ، من الحجاز الشريف ، إلى قلعة الجبل ، ووردت الأخبار معه ، أنه قبض على الأمير أسد الدين رميثة أمير الحجاز الشريف ، وعلى الأمير سيف الدين بهادر الإبراهيمى أحد الأمراء ، وهو الذى كان قد جرّد بسبب الأمير عز الدين حميضة. والذى ظهر لنا فى سبب القبض عليهما ، أن رميثة نسب إلى مباطنة أخيه حميضة ، وأن الذى يفعله من التشعيث باتفاق رميثة ، وأن الأمير لما توجه لمحاربة حميضة والقبض عليه ، ركب إليه وتقاربا من بعضهما بعضا ، وباتا على ذلك ، ولم يقدم الإبراهيمى على مهاجمته والقبض عليه ، فاقتضى ذلك سجنه ، واتصل بالسلطان أيضا ، أن الإبراهيمى ارتكب فواحش عظيمة بمكة ـ شرفها الله تعالى ـ فرسم بالقبض عليهما ، ووصل الأمير أسد الدين
__________________
(١) نخلة : موضع على ليلة من مكة. انظر : الروض المعطار ٥٧٦ ، معجم ما استعجم ٤ / ١٣٠٤.