وذكر أن قوله صلىاللهعليهوسلم : «لكن سعد بن خولة البائس ، قد مات فى الأرض التى هاجر منها». يرد قول من يقول : إنه إنما رثى له ، قبل أن يهاجر. وذلك غلط واضح ؛ لأنه لم يشهد بدرا إلا بعد هجرته. وهذا لا يشك فيه ذو لبّ. انتهى.
ولما مات سعد بن خولة ، كانت زوجته سبيعة الأسلميّة حاملا ، فوضعت بعد وفاته بليال ، فأفتاها النبى صلىاللهعليهوسلم بحلها من عدته ، ونكاح من شئت.
وقد اختلف فيما بين وضعها وموت زوجها ، فقيل شهر ، وقيل خمس وعشرون ليلة ، وقيل أقل من ذلك. والله أعلم.
ويشكل على قول من قال : إنه مات فى حجة الوداع ، أن الترمذى قال : حدثنا ابن أبى عمر ، قال : حدثنا سفيان عن الزهرى عن عامر بن سعد بن أبى وقاص ، عن أبيه ، قال : مرضت عام الفتح مرضا أشفيت منه على الموت ، فأتانى رسول الله صلىاللهعليهوسلم يعودنى. الحديث. وفى آخره. لكن البائس سعد بن خولة! يرثى له رسول اللهصلىاللهعليهوسلم ، أن مات بمكة. انتهى.
وقال الترمذى بعد إخراجه لهذا الحديث : وفى الباب عن ابن عباس : هذا حديث حسن صحيح. انتهى.
ورواه أحمد بن حنبل فى مسنده فقال : حدثنا سفيان ، عن الزهرى ، عن عامر بن سعد ، عن أبيه ، قال : مرضت بمكة عام الفتح. فذكره بمعناه ، إلى أن قال : لكن البائس سعد بن خولة! يرثى له النبى صلىاللهعليهوسلم ، أن مات بمكة. وفى هذا الحديث حجة على أن سعد ابن خولة لم يمت فى حجة الوداع ؛ لأن النبى صلىاللهعليهوسلم ، رثى له فى عام الفتح لموته بمكة. والفتح هو فتح مكة ، وبينه وبين حجة الوداع ، سنتان وشهران وأيام. ولم أر من نبه على هذا الإشكال فى وفاة سعد بن خولة ، ولا يعارض هذا الإشكال ما فى الصحيحين وغيرهما ، عن سعد بن أبى وقاص ، قال : جاءنى رسول الله صلىاللهعليهوسلم يعودنى عام حجة الوداع ، من وجع اشتد بى. فذكر حديث الوصية. وفى آخره : لكن البائس سعد بن خولة! يرثى له رسول اللهصلىاللهعليهوسلم ، أن مات بمكة. انتهى. لأن هذا الحديث يقتضى أن النبى صلىاللهعليهوسلم ، رثى فى حجة الوداع ، لسعد بن خولة لموته بمكة ، وذلك لا يلتزم موته فى حجة الوداع ، لإمكان أن يكون مات قبل حجة الوداع ، بعام أو عامين أو أكثر ، أو أقل من عام ، وإنما رثى له النبىصلىاللهعليهوسلم فى حجة الوداع لأنه عاد فيها سعد بن أبى وقاص ، ورأى منه كراهية للموت بمكة ، لكونه هاجر منها.