وقد جرى بين سعيد جبير ، والحجاج حين أراد قتله ، محاورات وسؤالات ، قال فيها سعيد للحجاج : إنى لأعلم أنك مخالف لكتاب الله تعالى ، ترى من نفسك أمورا تريد بها الهيبة ، وهى تقحمك الهلكة.
ولسعيد ـ رضى الله عنه ـ فضائل أخر ، منها : أنه تمكن من النجاة من رسل الحجاج فلم يفعل ، وفاء بما عاهدهم عليه ، وذلك أنهم لما وصلوا به واسط ، سألهم أن يدعوه تلك الليلة ، ليأخذ أهبة الموت ، ويأتيهم إذا أصبحوا بالمكان الذى يريدون ، فتوقفوا فى ذلك ، ثم أجابوه لما رأوا منه من الوفاء ، ليلة باتوا بالدير عند الراهب ، ولما رأوه من حاله مع اللّبؤة والأسد. فلما انشق عمود الصبح ، أتاهم فذهبوا به إلى الحجاج ، وعرفوه بما رأوه من حاله ، فصرف وجهه عنهم.
وآخر أمره أنه ذبح بين يديه ، على نطع فى شعبان سنة خمس وتسعين من الهجرة ، ومات الحجاج فى رمضان من السنة المذكورة. وما يقال من أن الحجاج عاش بعد سعيد بن جبير ستة أشهر ، فيه نظر. وهذا فى تهذيب الكمال. وما ذكرناه من أحواله ذكره المزى فى التهذيب. ونقل كثيرا منه عن أبى نعيم الأصبهانى من كتابه «الحلية» إلا قضية الدير فإنها فى «مجابى الدعوة» لابن أبى الدنيا ، وإلا ما ذكرناه عن ابن عبد البر ، فإن المزى لم يذكره.
وذكر المزى خبرا ، فيه أن خالدا القسرى قبض على سعيد بن جبير بمكة. وهذا الخبر ذكره المزى عن أبى نعيم ، وهو يخالف الخبر الذى ذكره أبو نعيم ، فى أخذ رسل الحجاج لسعيد بن جبير ، وما اتفق له معهم ليلة الدّير وليلة قدومهم إلى واسط ، والله أعلم بالصواب.
وغالب ما ذكرناه من حاله ، هو بالمعنى لا باللفظ ، مع الاختصار.
وكان سعيد بن جبير ـ رضى الله عنه ـ حين قتل ، ابن تسع وأربعين سنة. وفى خبر عنه ، ما يقتضى أنه حين قتل ، ابن سبع وخمسين سنة ، وقيل فى سنّه وتاريخ قتله غير ما ذكرناه لأن النووى ، قال : وقال ابن السمعانى : قتل سنة أربع وتسعين ، وهو ابن ثلاث وخمسين سنة ، وقال ابن قتيبة : قتل سنة أربع وتسعين ، وهو ابن تسع وأربعين سنة. انتهى.
١٢٧٤ ـ سعيد بن الحارث بن قيس بن عدى بن سعد بن سهم القرشى السهمى :
هاجر مع إخوته إلى الحبشة ، واستشهد فيما قيل يوم اليرموك ، ذكر هذا من حاله ابن
__________________
١٢٧٤ ـ انظر ترجمته فى : (الاستيعاب ترجمة ٩٨١ ، الإصابة ترجمة ٣٢٦٠ ، أسد الغابة ترجمة ٢٠٦٤ ، طبقات ابن سعد ٤ / ١٤٩).