الآخر سنة ثمان وستين وسبعمائة ، لأن مماليك يلبغا ثاروا عليه ، وهو مخيم مع الأشرف فى بر الجيزة ، فهرب يلبغا ، وانضم مماليكه إلى الأشرف ، خوفا من أن يأتيه يلبغا ، فيعضد الأشرف عليهم. ولما علم يلبغا باجتماع مماليكه على الأشرف ، أقام سلطانا من بنى قلاوون ، قال فيه العوام :
سلطان الجزيرة ، ما يسوى شعيرة
لأن يلبغا حين أقامه كان نازلا بجزيرة الفيل.
وكان يلبغا قد احتاط على السفن ، على مماليكه والأشرف [...](١) الوصول إلى القلعة ومنازلهم أياما ، ثم ظفروا بسفينة ، فتوصلوا فيها حيث أرادوا ، وعلم بذلك يلبغا ، فقصدهم فيمن انضم إليه من المماليك البطالة ، فانكسر يلبغا وقتل ، وترشد الأشرف بعد قتله ، وناب له النظامى.
ثم وقع بين الأشرف وبين مماليك يلبغا فتنة وضرب ، فقتل أسندمر رأس مماليك يلبغا ، فى طائفة كثيرة منهم ، وتمكن الأشرف بعد ذلك كثيرا ، واستمر حتى خلع فى ثالث ذى القعدة سنة ثمان وسبعين وسبعمائة ، بولده علىّ ، الملقب بالمنصور ، وكان قد توجه فى هذه السنة للحج ، فثار عليه جماعة من مماليكه وأمرائه فى عقبة أيلة ، فتوجه إلى القاهرة هاربا ، ظنّا منه أن الخلاف عليه ، إنما هو بالعقبة فقط.
فلما قرب منها ، رأى ما استنكره من ضرب الكؤوسات والطبلخانات ، فقصد هو ومن معه قبة النصر ، واختفوا بها ، ونام غالب من معه ، ولم يأخذه هو نوم ، فخرج منها مع يلبغا الناصرى ، وكان ممن هرب معه ، واختفيا عند أستادار الناصرى ، ثم انتقل إلى بيت امرأة يعرفها ، يقال لها آمنة ، زوج المستوى ، فاختفى به ، وهذا المنزل بالجودرية بالقاهرة ، وعلم بذلك القائمون عليه ، فهجموا عليه واستخرجوه من بادهنج ، وهو بزى النساء فيما قيل ، وطلعوا به إلى القلعة ، فعاقبوه حتى أقر بذخائره ، ثم خنق فى يوم الاثنين خامس ذى القعدة سنة ثمان وسبعين [....](٢) وفى اليوم الرابع منه علم أعداؤه بوصوله إلى القاهرة ، وما كان من خبره بالعقبة من بعض السفار معه ، فدل على الأشرف ومن معه ، حتى أتى بأعدائه إلى قبة النصر ، فوجدوا الهاربين مع الأشرف نياما ، فذبحوهم وفازوا بالشهادة.
وكان الأشرف فعل بالحرمين مآثر حسنة ، وهى أنه قرر دروسا فى المذاهب الأربعة ، ودرسا فى الحديث ، وتصادير ، وقراء ، ومؤذنين وغيرهم ، ومكتبا للأيتام. وأقام
__________________
(١) ما بين المعقوفتين بياض فى بالأصل.
(٢) ما بين المعقوفتين بياض فى بالأصل.