عنى أربعا : أسرع السير ، وعجل المناجزة ، ولا تمكن قريشا من أذنك ، إنما هو الوفاق ثم النفاق ثم الانصراف.
وسار الحصين حتى قدم مكة لأربع بقين من المحرم سنة أربع وستين من الهجرة ، وقد بايع أهل مكة وأهل الحجاز عبد الله بن الزبير واجتمعوا عليه ، ولحق به المنهزمون من أهل المدينة ، وقدم عليهم نجدة الحرورى فى أناس من الخوارج يمنعون البيت ، وكان الزبير قد سمى نفسه عائذ البيت ، وخرج ابن الزبير لقتال أهل الشام فاقتتلوا ، ثم غلب الحصين على مكة كلها ، إلا المسجد الحرام ، ففيه ابن الزبير وأصحابه ، قد حصرهم فيه الحصين ، ثم نصب الحصين المجانيق على أبى قبيس والأحمر ـ وهو قعيقعان ـ على ما ذكر ابن قتيبة ، وذكر أنه قرر على أصحابه عشرة آلاف حجر يرمون بها الكعبة.
وقال الأزرقى فيما رويناه عنه بالسند المتقدم : حدثنى محمد بن يحيى ، عن الواقدى ، عن رباح بن مسلم ، عن أبيه قال : رأيت الحجارة تصك وجه الكعبة من أبى قبيس حتى تخرقها ، فلقد رأيتها كأنها جيوب النساء ، وترتج من أعلاها إلى أسفلها ، ولقد رأيت الحجر يمر فيهوى الآخر على إثره فيسلك طريقه ، حتى بعث الله عزوجل عليهم صاعقة بعد العصر ، فأحرقت المنجنيق ، واحترق تحته ثمانية عشر رجلا من أهل الشام ، فجعلنا نقول : أصابهم العذاب ، فكنا أياما فى راحة ، حتى عملوا منجنيقا أخرى ، فنصبوها على أبى قبيس. انتهى
ودام الحصار والحرب بين الفريقين ، حتى وصل الخبر بنعى يزيد بن معاوية ، وكان وصول نعيه إلى مكة ليلة الثلاثاء هلال ربيع الآخر سنة أربع وستين ، وبلغ عبد الله بن الزبير نعى يزيد قبل الحصين بن نمير ، فعند ذلك أرسل ابن الزبير رجالا من قريش ، إلى الحصين بن نمير ، أعلموه بذلك ، وعظموا عليه ما أصاب الكعبة ، وقالوا له : ارجع إلى الشام ، حتى تنظر ما ذا يجتمع عليه رأى أصحابك. ولم يزالوا به حتى لان لهم ، ثم بعث إلى ابن الزبير : موعد ما بيننا الليلة الأبطح ، فالتقيا وتحادثا ، وراث فرس الحصين ، فجاء حمام الحرم يلتقط روثه ، فكف الحصين فرسه عنهن ، وقال : أخاف أن يقتل فرسى حمام الحرم ، فقال ابن الزبير : تحرجون من هذا وأنتم تقتلون المسلمين فى الحرم؟. فكان فيما قاله الحصين : أنت أحق بهذا الأمر ، تعالى نبايعك ، ثم أخرج معى إلى الشام ، فإن هذا الجند الذى معى هم وجوه أهل الشام وفرسانهم ، فو الله لا يختلف عليك اثنان ، وتؤمن الناس ، وتهدر هذه الدماء التى كانت بيننا وبينك وبين أهل الحرة ، فقال له : أنا لا أهدر الدماء ، والله لا أرضى أقتل بكل رجل منهم عشرة ، وأخذ الحصين يكلمه سرّا وهو يجهر ويقول : والله لا أفعل ، فقال : الحصين قبح الله من يعدك بعد هذا ذاهبا أو آتيا قد