وذكر غيره : أن الذى أخذ له البيعة : عمه عيسى ؛ لأنه غائبا فى الحج فى هذه السنة ، وهو الذى حج بالناس فيها.
وفى سنة أربعين ومائة ، على ما ذكر خليفة بن خياط ؛ والفسوى فى سنة أربع وأربعين ، وفى سنة اثنتين وخمسين.
وذكر الفسوى : أنه حج بالناس أيضا سنة سبع وأربعين.
وفى سنة سبع وثلاثين : أمر بالزيادة فى المسجد الحرام. فزيد فيه من جانبه الشامى ، ومن جانبه الغربى ، ضعف ما كان عليه. وفرغ من ذلك ، فى سنة أربعين ومائة.
وكان المنصور كاملا فى الرأى ، والعقل ، والدهاء ، والحزم ، والعزم ، ذا هبية وجبروت ، وسطوة وظلم ، وعلم وفقه وشجاعة ، يخالط آية الملك بزى ذوى النسك ، كأن عينيه لسانان ناطقان ، بخيلا بالمال إلا عند النوائب.
كان عمه عبد الله ـ بعد موت السفاح ـ زعم أن السفاح عهد إليه فى حياته بالخلافة بعده ، وأنه على ذلك حارب مروان ، حتى هزمه واستأصله ، وأقام بذلك شهودا ، ودعا إلى نفسه ، وبايعه جيشه وعسكره بدابق (١). فجهز المنصور لحربه أبا مسلم الخراسانى ، فالتقى الجيشان بنصيبين (٢) ، وتمت وقعة هائلة ، انهزم فيها الشاميون ، وفر عبد الله إلى البصرة ، فاختفى فيها عند نائبها أخيه سليمان واستولى أبو مسلم الخراسانى على خزانته وكانت عظيمة ، لما فيها من ذخائر بنى أمية ونعمتهم ، التى استولى عليها عبد الله حين قاتل بنى أمية.
وأمر المنصور أبا مسلم الخراسانى بالاحتفاظ بها ، فعظم ذلك عليه ، وعزم على خلع المنصور. وتوجه إلى خراسان فى جيوشه ، ليقيم بها علويّا خليفة. فبعث إليه المنصور يستعطفه ويعتذر إليه ، ولم يزل يتحيل على أبى مسلم ، حتى حضر إلى خدمته ، فبالغ فى تعظيمه.
__________________
(١) دابق : مدينة فى أقاصى فارس يذكر ويؤنث ، وهو مذكور فى حديث مسلم بن الحجاج : «ينزل الروم بدابق أو الأعماق» أو ما هذا معناه قال عياض : بفتح الباء جاء فى كتاب مسلم. انظر : معجم البلدان ٤ / ٧٢ ، الروض المعطار ٢٣١.
(٢) نصيبين : مدينة فى ديار ربيعة العظمى ، وهى من بلاد الجزيرة بين دجلة والفرات.
انظر : الروض المعطار ٥٧٧ ، معجم البلدان ٢٨٨ / ٥ وما بعدها ، اليعقوبى ٣٦٢ ، نزهة المشتاق ١٩٩ ، رحلة ابن جبير ٢٣٩ ، الكرخى ٥٢ ، ابن حوقل ١٩٣ ، ١٩٤ ، المقدسى ١٤٠ ، آثار البلاد ٤٦٧ ، ابن الوردى ٢٨.