بعده ابنه محمد ، إلى أن مات سنة تسع وخمسين وسبعمائة ، على ما هو معروف عند أهل مكة.
ولعل نجم الدين خليفة المذكور ، كان ينوب عن الأب وابنه ، والله أعلم.
ورأيت أن أثبت هذه الحكاية التى ذكرها عنه ابن قيم الجوزية لغرابتها ، على ما هى مذكورة عنه فى كتاب : «آكام المرجان فى أحكام الجان» ، ونصها فيه :
«ونقلت من خط العلامة الشيخ شمس الدين أبى عبد الله محمد بن أبى بكر الحنبلى رحمهالله تعالى ، وحدثنى به أيضا ، قال : وقعت هذه الواقعة بعينها فى مكة ، سنة إجراء العين بها ، وأخبرنى إمام الحنابلة بمكة ، وهو الذى كان إجراؤها على يده ، وتولى مباشرتها بنفسه ، نجم الدين خليفة بن محمود الكيلانى ، قال : لما وصلنا فى الحفر ، إلى موضع ذكره ، خرج أحد الحفارين من تحت الحفر مصروعا لا يتكلم ، فمكث كذلك طويلا ، فسمعناه يقول : يا مسلمين ، لا يحل لكم أن تظلمونا ، قلت له أنا : وبأى شىء ظلمناكم؟ قال : نحن سكان هذه الأرض ، ولا والله ما فيهم مسلم غيرى ، وقد تركتهم ورائى مسلسلين ، وإلا كنتم لقيتم منهم شرّا. وقد أرسلونى إليكم يقولون : لا ندعكم تمرون بهذا الماء فى أرضنا ، حتى تبذلوا لنا حقنا.
قلت : وما حقكم؟ قال : تأخذون ثورا ، فتزينونه بأعظم زينة ، وتلبسونه وتزفونه من داخل مكة ، حتى تنتهوا به إلى هنا فاذبحوه ، ثم اطرحوا لنا دمه وأطرافه ورأسه ، فى بئر عبد الصمد ، وشأنكم بباقيه ، وإلا فلا ندع الماء يجرى فى هذه الأرض أبدا.
قلت له : نعم أفعل ذلك ، قال : وإذا بالرجل قد أفاق يمسح وجهه وعينيه ، ويقول: لا إله إلا الله ، أين أنا؟ قال : وقام الرجل ليس به قلبة ، فذهبت إلى بيتى ، فلما أصبحت ونزلت أريد المسجد ، إذا برجل على الباب لا أعرفه ، فقال لى : الحاج خليفة هاهنا؟ قلت : وما تريد به؟ قال : حاجة أقولها له. قلت له : قل لى الحاجة وأنا أبلغه إياها فإنه مشغول ، قال لى : قل له : إنى رأيت البارحة فى النوم ثورا عظيما ، قد زينوه بأنواع الحلىّ واللّباس ، وجاءوا به يزفونه ، حتى مروا به على دار خليفة ، فوقفوه إلى أن خرج ورآه ، وقال : نعم هو هذا ، ثم أقبل به يسوقه والناس خلفه يزفونه ، حتى خرج من مكة ، فذبحوه وألقوا رأسه وأطرافه فى بئر.
قال : فعجبت من منامه ، وحكيت الواقعة والمنام لأهل مكة وكبرائهم ، فاشتروا ثورا وزينوه وألبسوه ، وخرجنا به نزفه ، حتى انتهينا إلى موضع الحفر ، فذبحناه وألقينا رأسه وأطرافه ودمه فى البئر التى سماها ، قال : ولما كنا قد وصلنا إلى ذلك الموضع ، كان الماء يفور ، فلا ندرى أين يذهب أصلا ، ولا نرى عينا ولا أثرا.