للطّهارة ، ومسلخها يرمي الطير من القذارة ، وهي مفرقة للعمارة ، في الشّرق حاره ، وفي الغرب حاره ، المغضوب عليهم يجهزون للإقامة في أكنافها ، والضّالون من الدّروز والرّافضة في غالب أطرافها ، أحسن حمّاماتها سفر طويل ، من ذهب إليه خجل بالغداة والأصيل ، وعند خروجه من حره إلى الهواء الوبيل يقول : هل إلى مرد من سبيل ، لا مدرسة ولا رباط ، ولا محل نزهة ولا انبساط ، من دخلها حزن ، وضاق صدره ، ومن خرج منها فرح وسرّ قلبه ، ويكفي من البرهان أنّها بيت الأحزان ، يعقوب عليهالسلام فيها لفرط حزنه ذهب بصره ، ويوسف عليهالسلام ألقي في الجب ، فلم يجد من ينصره ، ليس لها باب ولا سور ، وغالب بيوتها مبنية على القبور ، ولا بها مال جزيل ، ولا من يعين على نوائب الدّهر ، فصبر جميل.
أما سمعت قول ابن حلاوات في أبياته المشهورة ، شعر :
جهنّم أصبحت لا شكّ فيها |
|
لها من كلّ ناحية عقاب |
فنهض إليه بعض الإخوان وقال : مهلا أيّها الإنسان ، فما تلاطفت ولا أنصفت ، ولا خلوت من تحمّل من فيما وصفت ، تتفوّه بصفتها ولا تتنوّه ببهجتها ، أنسيت جامعها الأحمر ، وصحنه الأنور ، موطن الإنابة ، ومحل الإجابة ، ومنهل الأوطار ، ومعدن الأخيار ، هلا ذكرت ميدانها الذي يشفي رمد العين ، ويري من به مجمع البحرين ، يمنح ويرتع طرفه مزاين الجناين ، أنسيت هواها اللطيف ، وماءها الخفيف ، حتّى كان الافرنج من جميع الأنحاء يحملون من مرض إليها لطلب الشّفاء ، هلا ذكرت أترانجها (١٥) المتّفق عليها ، والحكي عنها ، والمشار إليها ، تحمل إلى البلدان ، وتهدى إلى ملوك الزمان ، هلا ذكرت التين الماروني ، والجبن العثروني ، والعسل الشقيفي ، والكرملي ، والتفاح الأحمر الفرعمي (١٦) ،