الأبرار ، والزّهّاد العبّاد المجتهدين في الزّاد للمعارف ، والورع العارف والمجاهد الكاشف ، سعينا له في وظيفة القضاء ، للعلم بحاله ، وضعف عياله في خدمة شيخنا ابن الرّسّام ، عند شيخنا قاضي القضاة ابن الخابوري ، فولّاه الشّاغورين ، قال : قبلت أحدهما فهو يكفي ، ما أصنع باثنين ، لا بدّ في الطّلبة من حاله كحالي ، فهذا له ، وهذا لي ، فقال شيخنا ابن الخابوري : سبحان الله ربّ العالمين ، هذا والله من الصالحين ، ثمّ طلب دعاءه ، وأكبر ثناءه ، فغاب دون الشهر ، فعاد إلينا فلمّا دخل علينا قلنا له : ما سبب هذا الحضور؟ فقال : استغنيت والله المحمود المشكور ، فقلنا بماذا؟ فقال كتبت بعشرين وخطّبت بعشرين ، وهل يحسن السّعي في الدنيا وقد فتح بأربعين ، وتهيّأ لنا من الغلة ثمانية أكيال نقطع بها الشتاء ، فهذه جملة وما بعد هذا إلّا السّرف ، فرحم الله من قنع واعترف ، فغبطناه على هذه الفضائل ، وعضضنا ندما وحزنا على الأنامل ، مات شهيدا بالطّاعون الكبير ، وصار إن شاء الله إلى نعم النّصير.
ومنهم الفقيه المشهور ، والعالم المذكور ، القاضي ناصر الدين منصور ، كان كبير القدر ، قديم الهجرة يشتغل ويشغل ، ولا يمل ولا يبطل ، وهو من الأجلاء أصحاب الرّسّام ، وله اشتغال كثير على المشايخ بالشام ، وأدرك الشيخ نجم الدين ، وأخذ عنه ، وتخرّج به وشيخ الإسلام برهان الدين بن القرداح ، وكان يشتغل بجامع صفد الظّاهري ، وتولّى القضاء بجهات كثيرة ، ومات بالطّاعون الكبير شهيدا ، وحصّل دنيا عظيمة ، ثمّ وضعها بصندوق وأودعها عند بعض التّجّار بالسّوق ، فمرض وخرس منه اللسان ، ومات فضاع ماله لعدم البيان ، فتعب طول حياته ، وفرط عند وفاته ، فلا حول ولا قوّة إلّا بالله العليّ العظيم.
ومنهم الفاضل اللطيف ، والذّكي الظّريف ، والدّيّن العفيف ، القاضي شرف الدين النّصيبيني ، الحاكم الشّفيق ، من الفقهاء الأدباء ، والبلغاء الخطباء ، اشتغل وارتحل وحصّل وتفنّن وصنّف ، وعلّق ونظم عقيدة في