وقدمناها لهم كاللهنة قبل الطعام للساغبين ، وأعقبنا ذلك بما رأيناه أولى بالتقديم وأحرى ، وتبيناه أشد وطأة على الإسلام وأعظم ضرا ، وهي صفد التي باء بإثمها حاملها على النصرانية ، ومسلطها بالنكاية ، على البلاد الإسلامية ، حتى جعلها للشرك مأسدة آساده ومراد مراده ، ومجر رماحه ومجرى جياده ، كم استبيح بسببها للإسلام من حمى ، وكم استرق الكفار بواسطتها مسلمة من الأحرار ومسلما ، وكم تسرب منها جيش الفرنج إلى بلاد المسلمين فحازوا مغنما وقوضوا معلما ، فنازلناها منازلة الليل بانعقاد القساطل ، وطالعناها مطالعة الشمس ببريق المرهفات وأسنة الذوابل ، وقصدناها بجحفل لم يزحم بلدا إلا هدمه ولا قصد جيشا إلا هزمه ، ولا أم ممتنعا طغا جباره إلا سهله وقصمه ، فلما طالعتها أوائل طلائعنا منزلة وقابلتها وجوه كماتنا المقاتلة اغتر كافرها فبرز للمبارزة والقتال ووقف دون المنازلة داعيا نزال ، فتقدم إليه من فرساننا كل حديد الشبا جديد الشباب يهوى إلى الحرب فيرى منه ومن طرفه أسد فوق عقاب ، ويخف نحوها متسرعا فيقال : أهذا لقاء أعداء أم لقاء أحباب؟ فهم فوارس كمناصلهم رونقا وضياء ، تجري بهم جياد كذوابلهم علاءا ومضاء ، إذا مشوا إلى الحرب مزجوا المرح بالتيه فيظن في أعطافهم كسل ، وهزوا قاماتهم مع الذوابل فجهلت الحرب من منهم الأسل ، فحين شاهد أعداء الله آساد الله تصول من رماحها بأساودها وتبدى ظمأ لا ينقعه إلا أن ترد من دماء الأعداء محمر مواردها ، وأنها قد أقبلت نحوهم بجحافل تضيق رحب الفضاء ، وتحقق بنزولها ونزالها كيف نزول القضاء ، وأنه جيش بعثه الله بإعزاز الجمعة وإذلال الأحد ، وعقد برايته مذ عقدها أن لا قبل بها لأحد ، وأن الفرار ملازم أعدائه ولا قرار على زائر على الأسد ، ولوا مدبرين وادبروا على أعقابهم ناكصين ولجأوا إلى معقلهم معتقلين ولا متعقلين ، فعند ذلك زحفنا إليه من كل جانب حتى صرنا كالنطاق بخصره ، ودرنا به حتى عدنا كاللثام بثغره ، وأمطرنا عليه من السهام وابلا سحبت ذيول سحبه