المتراكمة ، وأجرينا حولها من الحديد بحرا غرقه أمواجه المتلاطمة ، وضايقناها حتى لو قصد وفد النسيم وصولا إليه لما تخلص ، أو رام ظل الشمس أن يعود عليه فيئا لعجز لأخذنا عليه أن يتقلص ، ثم وكلنا به من المجانيق كل عالي الغوارب عاري المناكب عبل الشوى سامي الذرى ، له وثبات تحمل إلى الحصون البوائق ، وثبات تزول دونه ولا يزول الشواهق ، ترفع لمرورها الستائر فتدخل أحجاره بغير استيذان وتوضع لنزوله رؤوس الحصون فتخر خاضعة للأذقان ، فلم يزل يصدع بثبات أركانه حتى هدمها ، وتقبل ثنيات ثغره حتى أبدى ثرمها ، وفي ضمن ذلك لصق الحجارون بجداره وتعلقوا بأذيال أسواره ففتحوها أسرابا ، وأججوها جحيما يستعر التهابا ، فصلي أهل النار بنارين من الحريق والقتال ، ومنوا بعذابين من حر الضرام وحد النصال ، هذه تستعر عليهم وقودا ، وهذه تجعل هامهم للسيف غمودا.
فعند ذلك جاءهم الموت من فوقهم ومن أسفل منهم ، وأصبح ثغرهم الذي ظنوه عاصما لا يغني عنهم ، ومع ذلك فقاتلوا قتال مستقتل لا يرى من الموت بدا ، وثبتوا متحايين يقدون بيضهم البيض والأبدان قدا ، فصبر أولياء الله على ما عاهدوا الله عليه ، وقدموا نفوسهم قبل إقدامهم رغبة إليه ، ورأوا الجنة تحت ظلال السيوف فلم يروا دونها مقيلا وتحققوا ما أعده الله لأهل الشهادة فاستحلوا وجه الموت على جهامته جميلا ، فعند ذلك خاب ظن أعداء الله وسقط في أيديهم وصار رجاء السلامة برؤوسهم أقصى تمنيهم ، فعدلوا عن القتال إلى السؤال وجنحوا إلى السلم ، وطلب النزول بعد النزال ، وتداعوا بالأمان صارخين ، وجاؤوا بدعاء التضرع لاجين ، فاغمد الصفح عنهم بيض الصفاح ، وقاتلوا من التوسل بأحد سلاح ، واستدعوا راياتنا المنصورة فشرفوا بها الشرفات ونزلوا على حكمنا ، فأقالت القدرة لهم العثرات ، وتسلم الحصن المبارك وقت صلاة الجمعة ثامن عشر شوال ،