عبد الله الحافظ ، أخبرني جعفر الخوّاص ، حدّثني عمر بن عاصم أبو القاسم البقّال ، حدّثني أحمد بن خلف المؤدب ، قال : دخلت على سري غرفته يبكي فوقفت فأومئ إليّ فإذا قلّة مكسورة فقال لي : جاءت الصبية البارحة بهذه القلّة فقالت : يا أبة هذه القلة هاهنا معلقة فإذا أفطرت فاشرب منها فإنها ليلة غمة ، ومضت ، فقمت إلى أمر كنت أقوم إليه فغلبتني (١) عيني فرأيت جارية كأحسن الجواري قد دخلت عليّ الغرفة فقلت لها : يا جارية لمن أنت؟ فقالت : أنا لمن لا يشرب الماء المبرد في الكيزان ، وتناولت القلّة بيدها فضربت بها على الأرض فكسرتها. قال جعفر : قال الجنيد : فما زال ذلك الخزف (٢) مطروحا في غرفته حتى عفى عليه التراب.
قال جعفر : وحدّثني أحمد بن عمر الخلقاني بهذه الحكاية بقريب من هذا اللفظ.
قال : وأنبأ أبو عبد الرّحمن السلمي ، قال : سمعت علي بن محمّد بن جهضم ـ بمكة ـ يقول : سمعت علي بن محمّد بن حاتم يقول : سمعت الجنيد يقول :
بت ليلة عند سريّ فلما كان في بعض الليل قال لي : يا جنيد أنت نائم؟ قلت : لا ، قال : الساعة أو قفني الحق بين يديه وقال : يا سريّ تدري لم خلقت الخلق؟ قلت لا ، قال : خلقت الخلق فادّعوا كلهم فيّ ، وادّعوا محبتي ، فخلقت الدنيا فاشتغلوا بها من عشرة آلاف تسعة آلاف ، وبقي ألف ، فخلقت الجنة فاشتغل من الألف تسعمائة بالجنة ، وبقيت مائة ، فسلّطت عليهم شيئا من البلاء فاشتغل (٣) عني بالبلاء من المائة تسعون وبقيت عشرة ، فقلت لهم : ما أنتم! لا الدنيا أردتم ولا في الجنة رغبتم ، ولا من النار هربتم ، فقالوا : وانك لتعلم ما نريد. فقال : إني أنزل بكم من البلاء ما لا تطيقه الجبال الرواسي فتثبتون لذلك؟ قالوا : ألست أنت الفاعل بنا؟ قد رضينا ، قلت : فأنتم عبيدي حقا.
أخبرنا بها أعلى من هذا أبو السعادات أحمد بن أحمد ، وأبو محمّد عبد الكريم بن حمزة ، قالا : حدّثنا أبو بكر الخطيب ، أخبرني محمّد بن الحسين بن إبراهيم الخفاف ، حدّثنا محمّد بن أحمد بن محمّد المفيد ، قال : سمعت الجنيد يقول :
__________________
(١) بالأصل : فغلبني.
(٢) بالأصل : الحرف ، والصواب ما أثبت عن م ، انظر تاريخ بغداد والرسالة القشيرية.
(٣) بالأصل وم : «فاشتغلوا» والصواب ما أثبت.