والولاة ، ومتولي هذه النواحي وكافة الحماة ، وسائر المتصرفين في الأعمال ، والمستخدمين على سائر منازلهم ، وتفاوت درجاتهم ، واستمرار خدمتهم ، أو تعاقب نظرهم ، في هذا الوقت وما يليه ، فليعلم ذلك من أمير المؤمنين ورسمه ، ويعمل عليه وبحسبه ، وليحذر من تعدي حده ومخالفة حكمه ، ويتجنب مباينة نصه ومجانبة شرحه ، وليقرّ هذا المنشور في يده حجة لمودعه ، يستعين بها على نيل طلبته ، وإدراك بغيته ، إن شاء الله تعالى. وكتب في جمادى الأخرى سنة إحدى عشرة وأربعمائة». وفي أعلاه بخط الحاكم توقيع : الحمد لله رب العالمين.
قال ابن بطريق ، وانفتح حينئذ باب رجعة الكنائس ورد أوقافها عليها ، وأطلق عمارة جميع الكنائس والديارات التي يستدعي منه الإذن فيها وفي عمارتها بمصر وفي سائر بلاد مملكته ، وكتب لكل منهم سجلا لإعادة أوقافها إليها ، إلا ما كان من الأوقاف والكنائس قد بيع في وقت القبض عليها في دمشق وفي جميع بلاد الساحل ، وصرف ثمنه في النفقات السلطانية ، لضيق الأموال وقلتها ، أو ما كان منها قد حصل لمن يتوقون شره من المسلمين. ولما تسامح الحاكم بعمارة الكنائس وتجديدها ورد أوقافها عاد الذين أسلموا من النصارى وقت الاضطهاد إلى دينهم بأمره وتسامحه. ولما هلك الحاكم وبويع لابنه الظاهر واستولت عمته على الملك بالفعل تقدمت بمسير نيقيفور بطريرك بيت المقدس إلى حضرة الملك ليطالبه بعودة الكنائس وتجديد كنيسة القيامة ببيت المقدس وسائر البيع في جميع بلاد مصر والشام ورجوع أوقافها إليها.
وكان البطاركة أشبه بسفراء سلام بين ملوك الإسلام وملوك الروم. إذا وقع حيف على المسلمين في ديار أعدائهم يندبهم ولاة الإسلام الى مطالعة الروم بما ينال النصارى في الشام وغيرها من الاضطهاد إن هم أساءوا إلى المسلمين الواقعين في أسرهم ، أو الراحلين إليهم في التجارة. ومما اشترط ملك الروم على الظاهر العبيدي في عقد الهدنة ثلاثة شروط منها أن يعمر الملك الظاهر كنيسة القيامة ببيت المقدس ويجددها من ماله ، ويصيّر بطريركا على بيت المقدس ، وأن تعمر النصارى جميع الكنائس الخراب