إلى قصورهم ، ولا تزال البيوت القديمة إلى اليوم في الشام تفاخر بما عندها من مجموعات الصيني والقاشاني والسلاح القديم والحلي والأواني الفضية والذهبية القديمة على كثرة ما طرأ على القطر من الحوادث التي عزت فيها الحاجيات دع الرغبة في الكماليات. وكان اقتناء هذه البدائع في هذه الديار من دلائل الظرف وآيات التعين والرياسة ، كما كان اقتناء الكتب في قرطبة بل في حلب ودمشق إلى عهد قريب.
كان الفاتحون يغنمون في جملة ما يغنمون الطرائف البديعة وأدوات الزينة والتحف. هكذا فعل تيمور فحمل معه من دمشق صناع هذه البدائع وما أبدعوه ، وهكذا فعل سليم العثماني فاتح مصر فنهب منها أجمل آثارها التي استطاع حملها وزين بها قصره وقصور جماعته في القسطنطينية. وذكر المؤرخون أن بعض ملوك الأندلس من العرب كانوا يعرضون في قصورهم التماثيل الجميلة من غير نكير ، وفيها صور الآدميين وغيرهم.
وكان أهل أوربا زمن الحرب الصليبية وبعدها يتنافسون فيما يجلبونه من الأقمشة والبسط وأدوات الزينة من الشام ، ولما جاء القرن الأخير أخذوا ينقلون إلى متاحفهم ما أبقته صنع الأيدي من أهل المدنيات القديمة من تماثيل ونصب وأحجار زبر عليها رقم ، وفي بعض متاحف أوربا ولا سيما في متحف اللوفر في باريز والمتحف البريطاني في لندرا ومتحف برلين ومتاحف إيطاليا وغيرها كثير مما عثر عليه الباحثون من العاديات الحجرية في اليمن والشام ومصر ولا سيما من الديار الشامية. وقد أخذت عادياتنا تسافر من أرضنا منذ أخذ علماء الآثار يبحثون في سهولها وجبالها ، وما كتبه كثير من علماء المشرقيات والعاديات في القرن التاسع عشر دليل يؤيد ذلك ، وقد نشروا أبحاثهم في كتب خاصة ومقالات لهم في المجلات الأثرية والعادية والعلمية.
أما نحن سكان هذه الديار فلم تكن لنا عناية بهذا الشأن بل قلّ جدا من اهتدى إلى الاحتفاظ بما خبأته الأيام في بطون هذا الصقع. وكنا أزهد الناس فيها حتى نقلت آثارنا ونفائسنا أمام أعيننا كما نقلت مخطوطاتنا ونحن ضاحكون مستبشرون ، وانتفع بها القوم هناك وأكملوا بها تاريخ المدنية ، ولما وقع الانتباه في الحكومة العثمانية أخذت تمانع بعض الشيء في نقل هذه التحف