كتبهم. ولما ملك بطلميوس (بطولوماوس) فيلادلفوس من ملوك الإسكندرية فحص عن كتب العلم فعهد إلى رجل اسمه زميرة فجمع من ذلك على ما حكي أربعة وخمسين ألف كتاب ومائة وعشرين كتابا. وقال له : قد بقي في الدنيا شيء كثير في السند والهند وفارس وجرجان والارمان وبابل والموصل وعند الروم. وذكروا أن النعمان ملك الحيرة أمر فنسخت له أشعار العرب في الطّنوج أي الكراريس فكتبت له ثم دفنها في قصره الأبيض ، فلما كان المختار ابن عبيد قيل له : إن تحت القصر كنزا فاحتفره فأخرج تلك الأسفار. قالوا : فمن ثم كان أهل الكوفة أعلم بالأشعار من أهل البصرة. وبلغ من عناية ملوك الفرس بصيانة العلوم ، وحرصهم على بقائها على وجه الدهر ، وإشفاقهم عليها من أحداث الجو وآفات الأرض ، أن اختاروا لها من المكاتب أصبرها على الأحداث ، وأبقاها على الأيام ، وأبعدها عن التعفن والدروس ، فكتبوا في لحاء شجر الخدنك ، ولحاؤه يسمى التّوز ، وكانت تعمل منه القسي ، وبهم اقتدى في ذلك أهل الهند والصين ومن يليهم من الأمم.
ولما حصل الفرس العلوم طلبوا لها من يفاع الأرض أصحها تربة وأقلها رطوبة ، وأبعدها من الزلازل والخسوف ، وأعلكها طينا ، وأبقاها على الأيام بناء ، يقيمون فيها خزائنهم ودور كتبهم فاختاروا مدينة جيّ من عمل أصفهان جعلوها في قهندرز أي حصن ، فانهارت هذه المصنعة في الإسلام فظهروا فيها على أزج معقود من طين الشقيف ، أي بيت مستطيل من الخزف ، فوجدوا فيها كتبا كثيرة من كتب الأوائل مكتوبة كلها في لحاء التوز بالكتابة الفارسية القديمة ، وقالوا : إن الفرس كانوا يودعون كتبهم في سارويه ، أحد الأبنية الوثيقة القديمة المعجزة البناء ، وتشبه الأهرام في الجلالة وإعجاز البناء ، وكانت الكتب تكتب على صفحة صفحة أي من وجه واحد.
هذا ما يؤخذ من كلام ابن النديم وغيره في منشإ الكتب عند القدماء ، ومع هذا لم تحفظ لغات الأقدمين لو لا ما وجد منها مكتوبا على الأحجار ، وكان بعض تلك اللغات اندثر في القرون الأخيرة حتى لا يحلها إنسان ، مثل اللغة الهيروغليفية لغة قدماء المصريين المقدسة فعثروا في رشيد من ثغور مصر