أكثر من خمسين كتابا أو ستين أو سبعين كتابا ، فكان المجلد في تلك العصور قليل الأوراق، لأن الورق أو الرّق غليظ فإذا جعل كل مجلد مئتين أو ثلاثمائة أو أربعمائة أو خمسمائة ورقة يصعب تناوله وحمله ونقله ولا يصح ما قاله ابن الفرات من أنه كان في دار العلم في طرابلس ثلاثة آلاف ألف يوم نكبتها إلا على هذه الصورة ، أي إن كتبها كانت بين المائتين وثلاثمائة ألف ومنها أجزاء صغيرة ورسائل ، وقد يكون الجزء من كتاب لا تتجاوز سطوره سطور مقالة من مقالاتنا أو إملاءة من أمالينا أو محاضرة أو مسامرة من محاضراتنا ومسامراتنا.
فالمصيبة الأولى العظمى التي أصابت الكتب في الشام كانت على عهد الصليبيين والمصيبة الثانية ما حمله منها التتر في نوبة هولاكو وما أحرق في مدارس دمشق وجوامعها من أمهاتها ، فقد ذكر المؤرخون أنه امتلأت خزانة الكتب بمراغة بما نهبه هذا الطاغية من الشام والعراق وغيرهما. وقدر ما حمله بأربعمائة ألف مجلد ، ومنها ما حرق في فتنة غازان سنة (٦٩٩) وفي وقعة تيمور سنة (٨٠٣) فان النار ظلت تحرق دور دمشق ومدارسها وجوامعها في الفتنة التيمورية ثلاثة أيام ، فذهب في هذين الحريقين وغيرهما كتب المدرسة الضيائية والمدرسة العادلية وغيرهما من المدارس.
ومن الخزائن التي دمرت في الخروب الصليبية خزانة أسامة بن منقذ أحد أصحاب قلعة شيزر فإنها كانت أربعة آلاف مجلد من الكتب الفاخرة أرسل بها بعد أن أخذ عهدا من الصليبيين من دمياط إلى عكا في بطسة فنهبت ونهب معها ثلاثون ألف دينار قال : إن ذهابها حزازة في قلبه ما عاش. ومن مصائب الكتب ما وقع من حريق في دار صاحب حماة سنة (٦٨٧) ذهب فيه من الكتب مقدار عظيم.
ومنذ دخل الصليبيون الشام أخذوا على ما يظهر يقتنون الكتب العربية ولكن على صورة ضعيفة لأن العلم بها كان معدوما عندهم ، يبتاعونها على أنها عاديات قديمة غريبة الشكل ، ولما لمعت في القرن السادس عشر شعلة النهضة في إيطاليا أراد الباباوات اقتناء الكتب العربية ، فندبوا لذلك بعض العارفين من رهبان الموارنة وحملوا إلى رومية من أديار لبنان ما كان محفوظا فيها