أما ما ذهب إليه بعض الكتاب من أن أصل مذهب التشيع من بدعة عبد الله ابن سبإ المعروف بابن السوداء فهو وهم وقلة علم بحقيقة مذهبهم. ومن علم منزلة هذا الرجل عند الشيعة وبراءتهم منه ومن أقواله وأعماله وكلام علمائهم في الطعن فيه بلا خلاف بينهم في ذلك ، علم مبلغ هذا القول من الصواب.
لا ريب في أن أول ظهور الشيعة كان في الحجاز بلد المتشيع له. وكان التشيع هناك ضعيف الحول ولكنه مكين في قلوب أهله. ثم استفحل أمره في العراق زمن خلافة علي عليهالسلام. أما في الشام فالمعروف بين الشيعة في جبل عامل خلفا عن سلف أن الذي دلّهم على هذا المذهب أبو ذر الغفاري لما سيّر إلى الشام ولا يزال في قرية الصرفند (بين صيدا وصور) له مقام معروف باسمه اتخذ مسجدا معمورا وهو غير مسجد القرية الجامع ، وفي قرية ميس الجبل له مقام آخر. وميس هذه قرية في جبل عامل على طريق القادم من دمشق. وروى الحر العاملي في كتابه أمل الآمل أن أبا ذر لما أخرج إلى الشام تشيع فيها جماعة ثم أخرجه معاوية إلى القرى فوقع في جبل عامل فتشيعوا من ذلك اليوم. ثم ذكر رواية عن الإمام أبي عبد الله جعفر بن محمد الصادق عليهالسلام وقد سئل عن أعمال الشقيف فقال : أرنون وبيوت وريوع وتعرف بسواحل البحار وأوطئة الجبال هؤلاء شيعتنا حقا.
وفي كتاب الروضة والفضائل لشاذان بن جبرئيل القمي رواية مسندة إلى عمار بن ياسر وزيد بن أرقم تدل على أنه كان زمن خلافة علي عليهالسلام قرية في الشام عند جبل الثلج تسمى أسعار أهلها من الشيعة ، وأسعار هذه قرية خربة بين مجدل شمس وجباتا الزيت وهناك نهر يعرف بنهر أسعار.
المتاولة جمع متوالي مأخوذ من الموالاة وهي الحب ، لموالاتهم أهل البيت واتباعهم طريقتهم. والظاهر أن تلقيبهم بهذا اللقب في جبل عامل لم يتقدم عن القرن الثاني عشر للهجرة لأن كل المؤرخين قبل هذا القرن لم يعرفوا لهم هذا اللقب ولم ينبزهم به أحد منهم ، وكانوا إذا أرادوا ذلك تجنبوا الشيعة وقالوا : الرافضة كما فعل المحبي في خلاصة الأثر. ولكن من تأخر عن القرن الحادي عشر لم يلزمهم بترك نبزهم به كما فعل المرادي في سلك الدرر فإنه لم يذكرهم في جبل عامل إلا باسم المتاولة وفاقا للشهرة في عصره.