وفي هذه الصبيحة يهدي أحد أبوي الزوج إلى الزوجة قطعة من الحلي تسمى الصبحية وفي اليوم الرابع يحضر المدعوون إلى منزل الزوج لتهنئة العروسين ، ثم في اليوم الثامن يزور العروسان أصحابهما فيحيون لهما ليلة طرب ، ثم في اليوم الثاني عشر يولم الزوج إلى كهنة الطائفة وبعد شهر يطوف العروسان منازل الألى كانوا مدعوين ليلة القران ويردان إليهم الزيارة.
المهر يدفع من الزوجة إلى الزوج عكس ما هو معروف عند المسلمين ولا حد لأكثره إذا كانت الزوجة غنية والرغبة منها في الزوج فوق رغبته بها وهو يسمى «دوطه» وبعض الكتبة يترجمون هذه اللفظة بكلمة «بائنة» وإذا كانت رغبة الزوجين في الزواج متساوية فليس هناك دوطة إنما كل واحد من الزوجين يهدي الآخر قطعة من الحلي قيمتها تناسب ثروته.
بعد انتهاء هذه الحفلات يصرف بعض المتفرنجين شهرا من حياته بالتغيب عن منزله يسمونه شهر العسل يمضيه الزوجان في موضع نزه جميل يطلقان فيه حريتهما ، كأن العروسين يمضيان هذا الشهر في وداع الحياة المطلقة المؤذنة بفراقها لحلول ذلك الضيف الثقيل بل القيد الأبدي الذي لا يحل وثاقه إلا بالموت : عادة أخذها الغربيون عن الأمم الوثنية القديمة كأنها رمز إلى سرعة انقضاء راحة الإنسان بالزواج وطول عنائه بعده ، ذلك لأن الزوجين لا يلبث فرحهما بعد الاقتران سوى أيام قلائل حتى يدخلا في العريض الطويل من تكاليف الحياة وأوصابها التي لا تنفد إلا بنفاد العمر. فما أشبه الحياة وما فيها من الراحة والتعب بإناء مفعم من الصبر قد بسط على وجهه قليل من العسل ، وكأن الإنسان لا يضطر إلى استعمال ما في هذا الإناء اضطرارا حقيقيا إلا بعد أن يتزوج فكأن مقدار ما يناله حينئذ من الراحة وما يعقبها من التعب كمقدار ما في ذلك الإناء من الصبر والعسل فلا يلعق من العسل غير القليل حتى ينفد ويظهر تحته الصبر ، فيجرعه مكرها ضرورة عدم إمكان الحياة إلا به وهذا مصداق قول الناس في الزواج «فرح شهر وترح دهر».
ومما يستعمله النصارى في أتراحهم أنه متى احتضر المريض يحضر إليه كاهنه ويستأديه واجباته الدينية ، وبعد أن يقضي نحبه يتربصون بدفنه مدة أربع وعشرين ساعة يضعونه في خلالها في صندوق من الصفيح ، وفي هذه البرهة