بمداواتها أو وضع التعاويذ المصطلح عليها بينهم ، وينذرون النذور إن رزقت ولدا ، يقدمونها إلى قديسيهم وأوليائهم. ولهم كغيرهم خرافات كثيرة منها تخويف الأولاد في صغرهم بخيالات ، فينشأ الولد عند بعض المسيحيين جبانا ، والدروز يلقنون أولادهم الشجاعة والفروسية فيأتون شجعانا أقوياء. ولذلك كان الدروز منذ القديم في هذا الجبل على قلة عددهم يخاف جيرانهم بأسهم. وقد زاد هذا الجبن كثيرا بعد انتشار التعليم ومعرفة قدر الحياة ، فأصبح يجبن من لم يكن يجبن ، ونزعت الأخلاق الحربية إلا من الدروز ، وأصبح القوم يؤثرون الراحة ويتطلبونها حيثما وجدوها ، ويزهدون في سكنى جبالهم على كثرة غرامهم بها ، وتمجيدهم لهوائها ومائها ومناظرها وهنائها. وربما كان أهل لبنان من أكثر الشاميين اقتدارا على الإعلان عن أرضهم ، والإعجاب بجبلهم ، والتبجح بثروتهم وأثاث بيوتهم ، وتمجيد رؤسائهم وعلمائهم وأدبائهم. وهذا مما ساعد على إعمار الجبل بما جلبه المهاجر اللبناني من المال إلى أرضه ، وسمت الهمم بأهله أن يعمروه هذا العمران الواسع بالنسبة إلى البقاع الأخرى ، لو لا ذلك لكان كسائر جبال الشام انحطاطا وفاقة.
تسربت العادات الغربية إلى لبنان أكثر من غيره ، فبعد أن كان اللبناني يأكل وأهله وضيوفه على سفرة في الأرض أو على خشبة مستديرة من صحفة واحدة ، بأدوات منها الخزف ومنها ملاعق من الخشب من صنع أرضه ، أصبح يجلس إلى خوان وأمامه صحاف وملاعق وشوكات وسكاكين ومائدته مغطاة بثوب أبيض ، وعلى يده منديل الغمر أبيض ، وألوان الطعام تأتيه أرسالا. وأكثر هذا محسوس الأثر بين المسيحيين ولا سيما سكان الساحل. وقد بلغ ببعضهم حب التقليد أن أصبحوا لا يكتفون بخمر أرضهم ، ويتغالى بعض أغنيائهم المترفين فيجلب خمور الغرب يسقيها ضيوفه على مائدته. وغدا لا يطيب له الزجل والمواليا والمعنّى والقراديات والغناء العربي والقصائد العربية ، وكانت تنبسط أرواح أجداده إلى سماعها ، بل يحاول أن يسمع النغمات الإفرنجية لأنها أجمل وهو «تفرنج» و «تأورب» ويحب أن يقطع صلاته مع آبائه.