وهكذا يقال في الرقص والألعاب كلها فإنها أصبحت بين طبقات المتعلمين إفرنجية محضة في بيروت وفنادق لبنان الكبرى. وقد ولع بعض النساء في البيوت الراقية على الطراز الحديث بالرقص والمخاصرة والمقامرة ولا سيما في بيروت ، ولوعا لا تكاد تجد له مثيلا فيما بلغنا وعرفناه من أخبار الأقطار الغربية. فقد ترى المرأة البيروتية ولا سيما من المسيحيات ترقص من الهزيع الأول من الليل إلى الساعة الثالثة والرابعة صباحا. وترى السيدة المتقدمة في السن منهن تجلس إلى منضدة القمار تقضي الساعات الطويلة ، وقد يكون بناتها الفتيات واقفات ينتظرنها ليذهبن إلى النوم وهي مستغرقة. وكثير عدد النساء اللاتي فقدن صحتهن وشرفهن لشدة ولوعهن بالقمار والرقص ، وإذا رأيت أزياءهن ، حسبتهن أوربيات وزيادة ، أفرطن في التقليد ، وغرتهن الظواهر من مدنية الغرب فاجتزأن بها ، وكانت المرأة المسيحية في جنوبي لبنان في القرن الماضي تتحجب وتتجافى عن غشيان مجالس الرجال من غير محارمها.
وفي أندية بيروت في الشتاء والفنادق الكبرى في الجبل مدة الصيف ، نموذج من الحياة البيروتية التي أصبحت مزيجا غريبا من الأخلاق والعادات ، يبدو فيها التكلف والتصنع ، ويفقد منها الروح العربي ، وليس المسلمون فيها على مستوى جيرانهم في النهوض الاجتماعي حتى ترسم لهم الآن صورة بعينهم. وقد أخذت بعض البيوت التي أخذت المدنية الحديثة لا تتكلم في بيوتها أو مجالسها واجتماعاتها إلا بالفرنسية وقليل منها بالإنكليزية ، أو يمزجون لغتهم الأصلية باللغة التي تعلموا بعضها في المدارس ، وأصبحت معظم عادات السكان إفرنجية مقتبسة منقولة لا أصلية أصيلة.
وأنت إذا دخلت اليوم دار لبناني متعلم ممن كتب له السفر كثيرا ، ورأيت العادات القديمة محفوظة يأخذك العجب ، لأن اللبناني يحاول أن يقلد ، ولطالما عولج في هذه السبيل حتى تنزع منه عاداته وتقاليده ، ويلحق بالإفرنج في مناحيه ومنازعه. ومن أبشع ضروب التقليد أنه أخذ بعد أن تعلم بعضهم في المدارس تعليما ناقصا أبتر يستعمل في سلامه وحديثه بعض ألفاظ إفرنجية ، تساوى في ذلك البحري الجاهل والتاجر المتمول ، فصارت أحاديثهم مزيجا