(١٩٠٨) جريدة المقتبس يومية سياسية ، بعد أن صدر المقتبس ثلاث سنين في القاهرة مجلة شهرية علمية ، وعدت إلى إصدار المجلة أيضا.
وكان المقتبس السياسي معتدلا بلهجته ، وطنيا بمسلكه ، ينتقد ما يمكنه نقده من مواطن الخلل في الإدارة العثمانية ، وما رمى إلى الانفصال عن الترك قط ، بل كان يرمي الى استحصال حقوق العرب ضمن الجامعة العثمانية الكبرى ، فلم يرق هذا أيضا بعض رجال الدور الحميدي ، وأخذوا يقاومون المقتبس وصاحبه ، ويقيمون عليه الدعاوي المزورة ، يصدرها الظالمون المرتشون من الموظفين ، ممن دأبنا على الكيد لهم ، والعمل على تنحيتهم ، حتى جاء زمن وعلى المقتبس عشرات من الدعاوي ، يطلب فيها أصحابها جزاء المفتري على الأكثر ، لأنهم أبرياء بزعمهم مما نسب إليهم. ومن أغرب دعوى الوالي الحميدي عليّ في السنة الأولى اتهامه إياي بالارتجاع ، أي إرجاع عهد عبد الحميد الاستبدادي ، وهو الدور الذي بكيت من أهواله ، وقد هجرت الأهل والوطن فرارا من كابوسه ، ولكن أعمالي في خدمة الحرية سنين طويلة ، كذبته وأشياعه من الحميديين الاتحاديين. وقد اضطررت في هذه الدعوى إلى مغادرة الشام ، فركبت البحر إلى فرنسا ، وأخذ الوالي يهدد القضاة بالعزل إذا لم يحكموا عليّ بالجناية ، وصرفت الوقت في باريز أدرس مدنيتها وأستفيد من لقاء علمائها وساستها ، ووقفت وقوفا حسنا على حركتها العلمية والسياسية ، وذلك بواسطة جماعة من أصدقائي علماء المشرقيات ، عرفوني إلى الطبقة العليا التي أردت التعرف إليها في عاصمة الفرنسيس ، وفي مقدمتهم فيلسوف فرنسا المرحوم إميل بوترو. وقد سألته أن يكتب لي جريدة بأمهات الكتب التاريخية والاجتماعية والأدبية والاقتصادية ، فتفضل وكتب لي ما أردت ، فابتعته وطالعته كله مطالعة درس ، ولا أزال إلى اليوم أجعل تلك المجموعة المختارة سلوتي في خلوتي وجلوتي.
كتبت خمسا وثلاثين مقالة ومحاضرة في وصف سياحتي ، ولا سيما في وصف عاصمة فرنسا ، وطبعت هذه المقالات في كتاب سميته «غرائب الغرب» وما كان في الحقيقة إلا غرائب باريز ليس إلا. وبعد أن أقمت ثلاثة أشهر في «كارتيه لاتين» بباريز عدت إلى الاستانة عن طريق قينا