كان توفر على كشف حجاب الاتحاديين ، وأصلاهم حربا عوانا هو وأنصاره من رجال البلاد وحملة الأقلام فيها ، فأخذوا يخلقون له هذه التهم أو يكفّ عنهم. ولطالما تقاضوه ذلك ، وله أن يتحكم في مطالبه الخاصة ما شاء فأبى ، وربما كان رده لهم غير جميل لا يخلو من بعض خشونة ، ثم ورد الأمر من نظارة الداخلية بعود المقتبس إلى الصدور ، فأبيت إصداره ، لما رأيت من الحيف والغرض وتربص الاتحاديين الدوائر به وبصاحبه ، وكانوا الحاكمين المتحكمين في السلطنة العثمانية بلا منازع. وألح أرباب الشأن بإعادة المقتبس إلى الصدور ، فكان جوابي أنني زهدت في هذه الصناعة صناعة الصحافة ، ما دامت أحكامهم غاشمة ظالمة. إلا أن الحكومة بقيت تحاذرني مدة أشهر. وأقامت شرطيا أمام داري يكتب كل يوم أسماء من يدخل عليّ من أرباب الطبقات المختلفة ، حتى إذا خرجت إلى منتزه أو زيارة أحد يتبعني الجواسيس حيث سرت. أما كتبي وجرائدي وبرقياتي فإنها كانت تراقب أشد مراقبة ، بل أضحكها وأبكاها.
وبينا كان حالي كذلك أعلنت الحكومة العثمانية النفير العام ، وجاء الشام وال عاقل عادل اسمه خلوصي بك فنشأت بيني وبينه صداقة ، ولا سيما عقب أن ظهر من تفتيش أوراق قنصل فرنسا أنني كنت دائما إلى جانب خدمة العرب ، ولم أمل إلى الخروج على الترك ، ولا أسففت إلى خدمة غيرهم ، مع أني أردت على ذلك مرات ، وأغلوا لي الثمن والجعالة ، فاحتقرت كل نفيس في سبيل خدمة المصلحة العامة ، وهذا سر نجاتي من مخالب قتلة الاتحاديين الذين لم يراعوا عظيما ولا غيره في الحرب ، وصلبوا من صلبوا على أعواد المشانق بلا رحمة في مدن دمشق وبيروت وحلب.
أرادني خلوصي بك ست مرات على إصدار المقتبس وأنا أحاوله وأطاوله ، ولكن قنصل ألمانيا كان يلح على الحكومة المحلية بإقناعي لإصداره ، لما أيقن من تأثيره في أفكار الشاميين بل في بلاد العرب ، فصحت بعد حين عزيمتي على إصداره ، خصوصا بعد أن أوحى إليّ أحد خلص أصدقائي ، بأن القوم يتربصون بي الشر إذا لم أجبهم إلى إصدار المقتبس ، ولم أخدم الحكومة في تلك الحالة الحرجة. وأنني إذا ظللت على إبائي يخشى أن يحاسبوني